إن النصوص التي تتحدث عن الفتن كثيرة، وهي تتحدث عن أنواع من الفتن، وترسم للمسلم الطريق الأرقى لمواجهة كل نوع من الفتن، وكثيرون من الناس لا يعرفون أن يضعوا النصوص في مواضعها ولا أن يحددوا الطريق فيما يواجههم من فتن، وذلك أن بعض النصوص في الفتن تكاد تكون فتوى تنطبق على حالة فردية أو على مرحلة، أو على توافر شروط قد لا يحسن الإنسان تقدير وجودها، ثم إن النصوص الواردةفي الفتن لا بد أن تفهم على ضوء النصوص الأخرى التي تتحدث عن واجبات عينية أو كفائية لا يسع المسلم ولا المسلمين إلا أن يقيموها أو يعملوها بالقدر المتاح الممكن المناسب، وعلى هذا فإنه لا بد من تحديد الفتن وموقف المسلم منها: فهناك فتنة الكافرين للمسلمين في دينهم بالتعذيب فهذه يسع المسلم فيها أن يأخذ بالرخصة التي تنجيه، والأفضل في حقه أن يصبر حتى يستشهد، وهناك فتنة الكافرين للمسلمين من خلال الكينونة مع الكافرين بأن تسري للمسلم أو لذريته أخلاق الكافرين -وفقهاء المسلمين قالوا: حيثما خاف المسلم على دينه أو على دين من يرعاهم فقد وجبت عليه الهجرة، وفقهاء الحنفية يوجبون الهجرة من دار الحرب والبغي أو البدعة أو الردة في كل حال، وفقهاء الشافعية يستحبون للمسلم أن يقيم في مثل هذه البلدان إذا كان بإمكانه أن يحافظ على دينه ودين أهله، ويعتبرون إقامتهم عندئذٍ نوع جهاد، لأنه حيث أقام توجد دار صغيرة للإسلام.
وهناك فتنة القلوب التي هي أثر عن وساوس الشيطان وهواجس النفس وسماع ما يفتن ومواجهة مواقف تفتن القلب، فهذه حكم الإسلام فيها أن يجاهد الإنسان هذه الفتن وأن يردها قلبه.
وهناك الفتن التي يثيرها البغاة ضد الخليفة الراشد بغير حق، فهذه ينبغي أن يكون المسلم فيها مع الخليفة الراشد، وإذا استنفره لقتال استنفر، وأما إذا خرج على الإمام الحق بالحق، فإن على الإمام أن يرجع إلى الحق، وعلى المسلمين واجب نصحه واعتزال القتال،