...
الفاطميون في مصر:
لما آل حكم "مصر" إلى "أحمد بن عليّ بن الإخشيد" سنة 357 هجرية, وكان حدثًا صغيرًا لا رأي له ولا تدبيرًا, اختلت الأمور واضطربت الشئون، وجاع الجند، وكان "بمصر" غلاء فاحش, ووباء ساحق, وكانت أعين الفاطميين متطلعةً إلى ملك مصر, فواتتهم بذلك فرصةٌ للوثوب عليها, وتهيأ لهم ما أرادوا من فتح هذه البلاد بقليل من الدماء, بعد أن أمَّنُوا المصريين على أرواحهم وأموالهم وأملاكهم، وكان ذلك بقيادة "جوهر الصقلي"1 سنة 358 هجرية, في جيشٍ يربو على مائة ألف فارسٍ, مجَّهَز بألفٍ ومائتيّ صندوق من المال.
وما كاد "جوهر" يصل إلى "تروجة" بالقرب من الإسكندرية, حتى اضطرب المصريون وفزعوا إلى الوزير "جعفر بن الفرات" واتفقوا معه على مراسلة "جوهر" في الصلح, وطلب الأمان لهم؛ وإقرارهم على أملاكهم، واختاروا لتنفيذ ذلك وفدًا من وجوههم لمقابلة "جوهر" فأجابهم إلى ملتمسهم، وكتب لهم عهدًا بما طلبوه, ثم عزَّ على الإخشيدية أن يُبَدَّدَ ملكهم العظيم, فنقضوا العهد, واستنفروا جماعةً من العسكر، فلما تقدَّم "جوهر" إلى "الجيزة" لم يستطيعوا أن يثبتوا له، ووفد غداة النصر إلى "مصر" عليه ثوب ديباج مذَهّب, ونزل "بالمناخ" وهو موقع القاهرة اليوم.
تم للفاطميين الفتح, واقتحم جيشهم ملك مصر, تظله قيادة "جوهر" العظيم, ومن ثَمَّ أرادوا أن يؤسسوا مدينة جديدةً تخلِّدُ ذكرهم، وتطبع على صفحة التاريخ أثرهم، وتكون لهم معقلًا وحصنًا يأوون إليه, ويتخذون منه مستقرًّا ومقامًا.