الآن؟ فطالعت ساعتي، وقلت له الساعة اثنتان وسبع دقائق، فحسر كمه الأيسر فانكشف عن ساعة يد ذهبية، ونظر فيها وقال: لا. لا. ساعتك مؤخرة أربع دقائق، ثم خلى بيني وبينه الطريق وانطلق لطيته، وبعد أن أجلت ظني في شأنه أدركت أنه ربما كان مفتش عموم الساعات".

وهكذا يفيض أدبه بروائع النكت الطريفة التي تهتز لها النفوس، وتطرب لها الأسماع "فالبشري" لا يجاريه أحد في صوغ النكتة الرائعة، "وهو أكثر الكتاب المحدثين اصطناعا للنكتة البلدية يصطنعها بلغته العامة في غير تكلف، ولا تحفظ ولا احتياط، يأخذها من حي السيدة زينب، أو من حي باب الشعرية، فيضعها في وسط الكلام الرائع الذي يمكن أن يقاس إلى أروع ما كتب أهل القرن الرابع والثالث للهجرة، فإذا النكتة البلدية العامية مستقيمة في مكانها، ومطمئنة في موضعها لا تحس قلقا، ولا نبوا ولا يحس قائلها قلقا ولا نبوا، ولكنها تفجؤ القارئ فتعجبه، وتملأ نفسه رضى، ثم هو يحس أن الكلام ما كان ليستقيم لولا أن هذه النكتة قد جاءت في هذا الموضع، واستقرت في هذا المكان1.

وقد اضطر "البشري" أن يسوق النكتة باللغة العامية الخالصة إذا أراد أن يجلو على القارئ صورة كاملة من حيث قوم في مناقلاتهم، ومناوراتهم، وما تطارحوا من فنون الكلام، إذ يقتضي الحديث أن يورد كما نطقوا به، وبخاصة إذا كان يجري في التعبيرات التي تشيع على ألسن الناس، وتذهب عندهم مذهب الأمثال، وإلا لو أدى بفصيح اللغة فسد الغرض، واختل نظام الكلام2.

ولأن النكتة إذا سبكت في العربية الخالصة، فقد ينضب ماؤها ويحول بهاؤها3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015