يخلع جبته ليتوضأ ويضعها على المشجب1، فيرسم أحد الظرفاء عليها وجه حمار، ويزعم أصحابه أن "البشري" يرتج عليه من هذه المفاجأة، فما أن يقع بصره على الجبة حتى يقول: "من منكم مسح بالجبة وجهة؟ "، وهكذا لا يعيا بنكتة، ولا يغيض معينها في حادثة.
ولم يعرف أنه اغتاظ لنكتة، وما استغضبه إلا ما وقع بين بائعي الأكفان وبينه في طريقه إلى داره، فقد كان يمر كل يوم بعمال "محل الأكفال" الذين يقول الشيخ فيهم: "وجزت بهم مصبح يوم وعيناي تنضحان بالدمع من أثر رمد فأتلعوا إلى أعناقهم، ورأيت البشر يشيع في وجوههم، وسرعان ما تحركوا جذين للقائي، وهم يدعون الله في أنفسهم أن يجعل استفتاحي "لبنا"، فصحت فيهم استريحوا يا أولاد الـ ... فما بي والله بكاء ولكنه الرمد، وكلنا والحمد لله بخير وعافية، وقطع الله أرزاقكم، ولا أدخل عليكم النعمة أبدًا2.
وتراه يلبي داعي النكتة، ويرسلها في غير تحرج في شتى المواقف ومختلف المناسبات، ولا يكتمها مهما كلفته من ثمن، أو حملته من تبعة.
كان "علي باشا إبراهيم" قادما من الإسكندرية بالطريق الصحراوي في سيارته ليحضر مجلس الجامعة المصرية الذي كان رئيسه إذ ذاك، وكان "البشري" معه في سيارته، وقد بقي على انقعاد المجلس زمن قصير ذهب به توقف السيارة مرات متعددة لإصلاح خلل في "سلوكها"، أو ترميم في "سيرها"، وبينما الرجل مغيظ محنق من التوقف، والتأخير إذا "بالبشري" يغادر السيارة، ويقول له: "لن أركب معك بعد اليوم إلا إذا قدمت لي شهادة بحسن "السير والسلوك"، فيذهب غيظ الرجل، ويستلق من الضحك.