احتماله بل يتبرم بكتمانه، ويسعى لأحبابه وخلانه فيلقي به إليهم، ويعالنهم بما ضاق به فإذا هم صفحة من نفسه، وقسيم في شعوره وحسه.
ومما امتاز به حلاوة فكاهته، وحسن محاضرته وسعة اطلاعه على المجتمع وأخلاق الناس وأحوالهم، وإلمامه بأسرار الجيل التي واتته من طول المداخلة وحسن المخالطة حتى إذا حدث في هذا المقام، كان خبيرا بما يقول.
وقد عنى عناية خاصة واحتفل احتفالا بالغا "بكتاب الأغاني"، فقلب فيه النظر وأدمن الاطلاع عليه، وتروى كثيرا من أدب الجاحظ، وتردد على مطالعته وجرد له جانبا من وقته، وكان الاطلاع على "الأغاني" وكتب "الجاحظ" حبيبا إلى نفسه متسقا مع هواه، ترم "أبا الفرج" "وأبا عثمان"، وتأثر بهما وانطبع على طريقتها وتحدث بلغتهما، وخاصة "الجاحظ" الذي يحيل عليه في كثير من المواطن، ويشير إلى الأخذ عنه والتهدي إليه، ويصرح في مطالع ما كتبه "في البخل" بأنه قرأ كتاب البخلاء "للإمام الجاحظ" أكثر من مرة، ويذكر حين يتحدث عن المداعبات، والأفاكيه بأنه قرأ للإمام "الجاحظ" شيئا في هذا المعنى، وحين يصور الشيخ "التفتازاني" في المرآة يقول: "أنه لو نجم في عهد "الجاحظ"، أو اطلع عليه "كارليل" لخصت به الرسل، وأفردت له الأسفار، ولكن أنى لنا جزالة قلم "الجاحظ" أو دقة ذهن كارليل، لنقول في الشيخ كل ما ينبغي أن يقال فيه1".
وإذ يتحدث في تمهيده للكتابة في المرآة عن النكتة يقول: "وللإمام الجاحظ" في هذا المعنى قول جليل، فراجعه إن شئت في كتابه البخلاء".
وممن تأثر بهم "البشري" في طريقتهم وأولع بأدبهم، وأسلوبهم "المويلحي الكبير"، فقد كان ينهج في رسائله "في المرآة" نهجه في تحليل الشخصيات دون