ليرى جهاد الأزهر وعمله وآثاره التي نُقِشَت على صفحة الزمان.
ومع العصبية القوية التي تثور في نفس الإنسان، وتتملكه لمعهده الذي ارتضع لبانه، واغتذى بثقافه.
ومع أن هذه العصبية تحل في نفسي أعز موضع، وأسمى مكانة، لم أدع للأزهر فضيلة لم يسلمها له عداه، ولم أخترع له مزايا لم يلمس الناس أقباسها، ولم ينتفعوا بأضوائها الساطعة، وأنوارها اللامعة، ولكنى حاولت ما استطعت أن أنشر من مفاخره ما طواه النسيان، وأذكر من مآثره ما عدا عليه الزمان، وأن أكشف عن تلك الكنوز المدفونة, والأعلاق النفيسة المكنونة، التي قامت عليها النهضة الأدبية الحاضرة.
ولعل المطَّلِعَ على هذا البحث يروعه ويهوله ما صادفني من عقباتٍ لم تستطع على وفرتها وضخامتها أن توهن من عزمتي، أو تَفُلَّ من همتي، أو تفتر من رغبتي، أو تضعف من نشاطي المشتعل؛ فقد كان من حظي أن أتحدث عن موضوعٍ لم يأخذ من التاريخ حظًّا كثيرًا ولا قليلًا على جلاله وخطره، وأن أترجم لأناس لا تستطيع أن تلقف آدابهم إلّا مشافهةً وسماعًا، وكثيرًا ما تتضارب الآثار، وتتناقض الأخبار، وأجدني مضطرًّا إلى إطالة الوقوف، وإدمان النظر حتى يستبين لي وجه الصواب, وينكشف قناع الحقيقة.
على أن المتاعب التي كابدتها صابرًا، وتحملتها راضيًا، كانت خليقةً أن تثير في النفس شيئًا من المضاضة والألم، ومن التراجع والنكوص, ولكني صبرت وامتثلت؛ فقد كان كثيرٌ من الأعلام الذين ترجمت لهم ودرستهم لا يستطيع الكاتب أن يصل إلى شيء من آثارهم وأخبارهم إلّا بالاتصال بأهلهم, والذين خالطوهم وعاشروهم، ومن هؤلاء شربت المرَّ, وجرعت الألم كئوسًا مترعة, فقد كان أكثر هؤلاء لا يقدِّرون سمو الغاية التي انتدبت لها، ولا شرف المقصد الذي أخذت نفسي به.
وطالما كاتبت فريقًا منهم وهم متعلمون مثقفون, وتشفعت إليهم بالوسطاء والشفعاء, فلم أصل من ورائهم إلى طائل, بل لم أظفر حتى يرجع الجواب, ورُدَّ الخطاب.