بهذا الاحتفال تخليدًا لذكرى هذه الجامعة العظيمة, وتمجيدًا للتراث الأدبيّ والعلميّ الذي أثمرته هذه المواهب الخصبة، وتلك القرائح الطيبة, ولكن العزائم انتكثت، والقوى تخاذلت.
وإنَّ ما يبعث الأسى في النفوس أن يقوم كل يوم احتفالٍ بالمهزولين من الرجال, يزعم أنهم عظماء ومفكرون وقادة وأبطال، ثم لا يكون لأدباء الأزهر وعلمائه وعظمائه في عشرة قرون من هذه العناية نصيب.
ولقد قلت لنفسي إذ رأيت دار العلوم تكرِّم نفسها بمضيِّ خمسين عامًا على إنشائها، ومدرسة المنصورة الابتدائية حيث تحفل بعيدها المئويّ.
قلت لنفسي إذ رايت ذلك: أكان الأزهر أهون من هاتين شأنًا وأقل خطرًا، أم أن العزائم إذا انحلَّت أغضت على كل واجب، واستهانت بكل عظيم.
وأردت كذلك أن يكون هذا البحث آيةَ وفاءٍ لمعهدٍ حرس الدين, واحتضن اللغة ما أربى على الف عام، ثم لم يجد إلّا عقوقًا وجحودًا، ولم يصادف إلّا كفرانًا وكنودًا، حتى رتع الناس في ربيعة, ثم انقلبوا عليه، وتفيأوا ظلاله, ثم رجعوا سهامًا تُصَوَّبُ إليه.
وأحببت أن يعرف الذين حيل بينهم وبين العرفان أعمدة الدولة التي بناها الأزهر، وأصول النهضة التي غرسها ودعمها، في وقت كانت الأمة فيه ترزح تحت أعباءٍ مرهقة من أوزار الماضي وسيئاته.
وأقبح شيء بالإنسان أن يستمتع بنعيمٍ لم يعرف مصدره, وأن يغرق في سعادة لم يشكر صاحبها.
ولو أن الأمة تلفتت لفتة سريعة إلى الوراء؛ لآمنت بأن الأزهر بعثها بعد رقدةٍ، وأيقظها إثرَ غفوةٍ، وأنه أخذ بيدها إلى قمة العظمة في كل ميدان، فقد كان العامل الأهم في نضجها السياسيّ، وفي تفتحها العلميّ، وفي نهوضها الأدبيّ، وفي وثوبها الفكريّ. ومن كان في شكٍّ من ذلك, فليقرأ هذا البحث