كان يجمع في كتابته بين انطلاق الأسلوب وسلامته, وقوة الكلام ومتانة رصفه, وقد وافاه من نفاذ الحجة ومضاء البرهان في حواره السياسيّ ما لم يتوات إلّا القليل من الكتاب, كان شديد الهيمنة فيما يكتب, نافذ السطوة, قويّ الأخذ, وإنك لتقرأ له المقال يفتنك ويروعك, وتشعر أن أحدًا لم ينته في البيان منتهاه, ثم تقلب صحيفته وتفتشها, فلا تكاد تقع على شيء من هذا الذي يتكلفه صدور الكتاب، وبهذا أنشأ الرجل لنفسه أسلوبًا, وعلى الأصح, لقد خط قلمه القويّ النهج من البلاغة غير ما درج عليه الناس من منازع البلاغات1.
كان يجمع الموضوع من أقطاره, وتشفى الغلة باستيفائه, ويسمو بسطوة قلمه على كل كاتب فحل، وقد أثر عنه أنه كان فيّاض الخاطر, متدفق المعاني, سريع الكتابة لا يتوقف ولا يتردد, ثم يدفع بالمقال فإذا هو سَويّ لا عوج فيه, ولا تجد المراجعة إليه منفذًا، وكان مما يشاع عنه -وعي الخصوم أن يكونوا من أشاع- أنه يقول: أنا لا أبالي أن أخسر هذا البلد, ففي إمكاني إن أعود فأكسبه بثلاث مقالات, فإن صحّ هذا القول إليه, فثقة أحسها في نفسه, فزها بها ودل, وما خسر البلد وما خان، وإن كان خصومه هم الذين تَقَوَّلُوا عليه, فإنهم لم يجردوه فيما وصفوه من فضله الذي امتاز به.
نموذجًا من كتابته:
مما كتبه مفتتحا به صحيفة المؤيد:
علمنا الدهر بمطالعة الأخبار, ووعظنا وجلًا عن قلوبنا ظلمات الجهل, فبان لنا أن أعمال السلف مدرسة الخلف, نتلقى فيها أن خدمة الأوطان من أوجب الواجبات, وألزم الفرائض, مَنْ أضاعها قضت عليه شريعة الطبيعة بالحرمان الأبدي, والشقاء الدائم, فمقصدنا من نشر "المؤيد" تأدية ذلك الفرض عن طهارة طويلة, وإخلاص نيةٍ, وإنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ