ثم اختاره المعز ليغزو مصر مهبط الأمل والرجاء، فسار إليها من القيروان في ربيع الأول سنة 358هـ, فتمَّ له فتحها, وقد وصف أبو هانئ الأندلسيّ في قصيدةٍ من غرره, خروج هذه الحملة إلى "مصر" فقال:
رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع ... وقد راعني يوم من الحشر أروع
غداة كأن الأفق سد بمثله ... فعاد غروب الشمس من حيث تطلع
فلم أدر إذ ودعت كيف أودع ... ولم أدر إذ شيعت كيف أشيع
ألّا إن هذا حشد من لم يذق له ... غرار الكرى جفن, ولا بات يهجع
إذا حلَّ في أرضٍ بناها مدائنًا ... وإن سار من أرضٍ غدت وهي بلقع
وكبرت الفرسان لله إذ بدا ... وظل السلاح المنتضى يتقعقع
وعب عباب الموكب الفخم حوله ... ورقَّ كما رقَّ الصباح الملمع
رحلت إلى الفسطاط أول رحلة ... بأيمن فألٍ, بالذي أنت تجمع
فإن يك في مصر ظماء لمورد ... فقد جاءهم نيل سوى النيل يهرع
ويمنعهم من لا يغار بنعمة ... فيسلبهم, لكن يزيد فيوسع
دانت مصر لجوهر، وزفَّ إلى مولاه البشرى في منتصف رمضان، فاهتز ابن هانئ لهذا الظفر، وأنشد قصيدته التي يقول فيها:
يقول بنو العباس قد فتحت مصر ... فقل لبني العباس قد قضى الأمر
وقد جاوز الإسكندرية جوهر ... تصاحبه البشرى, ويقدمه النصر
ثم عُنِيَ جوهر بإنشاء الأزهر، وحين تمَّ بناؤه, أقيمت به صلاة الجمعة، واتخذ منبرًا للدعوة الشيعية, يحتفل الفاطميون فيه بالمظاهر الدينية وشتى المواسم والأعياد, وقد قطع جوهر خطبة بني العباس عن منابر مصر، ومحا اسمهم من السكة, وعوَّض عنه اسم المعز، وأزال الشعار الأسود, وألبس الخطباء الثياب البيض, وجعل يجلس بنفسه كل سبتٍ لنظر المظالم بحضرة الوزير والقاضي وجماعة من أكابر الفقهاء.
وفي يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة, أمر جوهر بالزيادة عقب الخطبة