وكثيرًا ما كان يؤم الناس في الصلاة, ويخطب فيهم، وقد كان خطيبًا فصيحًا, مؤثرًا يملك زمام السامعين، وطالما بكى الناس لذلاقته وروعه، واتسامه في خطابته بسمة الزاهدين1.
ومما يدل على دهائه أنه لما دخل "الإسكندرية" قدم عليه قاضي مصر "أبو طاهر محمد بن أحمد" وأعيان البلاد وسلموا عليه, فخاطبهم بخطاب طويل أخبرهم فيه أنه لم يرد دخول مصر لزيادة في ملكه, أو لمالٍ يجمعه، وإنما أراد إقامة الحق والجهاد، وأن يختم عمره بالأعمال الصالحة، وأن يأمر بما أمر به جدُّه -صلى الله عليه وسلم، وأطال حتى بكى الحاضرون، وخلع على القاضي وبعض الجماعة, فودعوه وانصرفوا.
وكان عاقلًا حازمًا أديبًا, حسن النظر في التنجيم, وما ينسب إليه من الشعر:
أطلع الحسن من جبينك شمسًا ... فوق ورد في وجنتيك أظلا
وكأن الجمال خاف على الور ... د جفافًا, فمدَّ بالشعر ظلَّا
جوهر الصقلي:
مملوك من أهل "صقلية" ضمه "المعز" إلى بطانته، وأظله بعطفه ورعايته, وعني بتربيته, وتثيقيفه في شئون البلاد والدولة، والبلاط الفاطميّ يومئذٍ حافلٌ بالمماليك الصقالية الذين تبوأوا ذروة النفوذ, ولا سيما في عهديْ "المعز" و"العزيز" ولكن جوهرًا كان عميدهم, وواسطة عقدهم، وأنصعهم شخصيةً, وأقواهم موهبةً.
قدر "المعز" مواهبه وخلاله؛ فولّاه وزارته, ثم اختاره لقيادة جيوشه.
ولمع نجمه في الحرب والقيادة, كما أشرق اسمه في الإدارة والسياسة، فغزا المغرب، واخترقه إلى ساحل المحيط الأطلنطي, يحدوه الظفر, ويطلبه النصر،