سياق كلام المسعودي عن المنهج الذي كان معاوية يتبعه في إنفاقِ سَاعاتِ يومه نهارًا وليلًا، وهو خاص بسماع العاهل الأموي أخبار العرب وأيامها في الجاهلية.
يقول: "ويستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها وسياستها لرعيتها، وسِيَر ملوك الأمم وحروبها، ومكايدها وسياستها لرعيتها، وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة، ثم تأتيه الطُّرَفُ الغريبة من عند نسائه من الحلوى وغيرها من المآكل اللطيفة، ثم يدخل فينام ثلث الليل، ثم يقوم فيقعد فيحضر الدفاتر فيها سير الملوك، وأخبارها والحروب والمكايد، فيقرأ ذلك عليه غلمان له مرتَّبون، وقد وُكِّلوا بحفظها وقراءتها، فتمرّ بسَمْعه كلَّ ليلة جُمَلٌ من الأخبار والسير والآثار وأنواع السياسات، ثم يخرج فيصلي الصبح، ثم يعود فيفعل ما وصفنا في كل يوم".
ولدينا أيضا كتاب (أخبار عَبِيد بن شَرِيّة الجُرْهُمِيّ في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها) الذي سَجّل فيه مؤلفه ما كان يقع بينه وبين معاوية بن أبى سفيان من حوادث تاريخية، وكان معاوية قد استقدمه؛ ليستمع منه إلى أخبار ملوك اليمن.
ويذكر ابن النديم أن عَبِيدًا وَفَد على معاوية؛ فسأله العاهل الأموي عن الأخبار المتقدمة وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة وأَمْر افتراق الناس في البلاد، وكان قد استحضره من صنعاء اليمن، فأجابه إلى ما سأل، فأمر معاوية أن يدوَّن ذلك ويُنْسَب إلى عبيد. وهو الكتاب الذي يؤكد المسعودي أنّ صاحبه هو الوحيد الذي صَحّ وفوده على معاوية من رواة أخبار الجاهلية".
واللّافِتُ للنّظر أنّ الأغلبية من كُتّاب القِصّة ونقادها في بدايات العصر الحديث بأرض الكنانة مثلًا، لم ينظروا إلى القصة على أنها شيء جديد، بل على أنها امتداد للقصص العربي القديم إن لم تكن هي هو، وهذا واضح مما كتبه رفاعة