كما أن بكاء ذلك الشاعر للأطلال والديار، وذكره للأيام والحوادث، ووصفه لشعوره ووجدانه، وتصويره لالتياعه وهيامه كل ذلك دليل على تمتعه بالعواطف الحية.

ويُردد أحمد حَسن الزيات في (تاريخ الأدب العربي) شيئًا قريبًا مما قاله "أوليري" وإن اختلفت مُسَوّغاته، إذ من رأيه أن مزاولة هذا الفن تقتضي الروية والفكرة، والعرب أهل بديهة وارتجال، كما تتطلب الإلمام بطبائع الناس، وهُم قد شغلوا بأنفسهم عن النظر فيمن عاداهم، فضلًا عن احتياج ذلك الفن إلى التحليل والتطويل، على حين أنهم أشد الناس اختصارًا للقول، وأقلهم تعمقًا في البحث، مع قلة تعرضهم للأسرار البعيدة والأخطار الشديدة.

ثم إنّ هذا الفن هو نوع من أنواع النثر، والنثر الفني ظل في حكم العدم أزمان الجاهلية وصدر الإسلام؛ حتى آخر الدولة الأموية حين وضع ابن المقفع الفارسي مناهج النثر، وفكر في تدوين شيء من القصص.

بيد أن عددًا من كبار النقاد ومؤرخي الأدب عندنا تولى تفنيد هذه المهمة المتسرعة، التي أن صحت، وهي لا يمكن أن تصح، كان معناها أن الله -سبحانه وتعالى- حين خلق الخيال والروية كتب على كل منهما لافتة تقول: ممنوع اللمس، للأوربيين فقط. والحق أنني لا أدري كيف فكر أصحاب هذا الزعم العجيب الذي لا يقول به العقل، ولا الذوق ولا التاريخ، ولا الواقع ولا الشواهد.

وثمة خبرٌ أورَده المسعودي في (مروج الذهب) عن معاوية يدل على أنه كان هناك منذ خلافته على الأقل تدوين كتابي لما كان الجاهليون يروونه من قصص وحكايات وأسمار، وأنّ هذا التدوين من ثم لم ينتظر حتى مجيء العصر العباسي -كما يقول الدكتور شوقي ضيف- وهذا هو النص المذكور، وقد ورد في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015