وهذا الحكم يستند:
أولًا: إلى أن حب القصص نزعة فطرية لا يمكن أن يخلو منها إنسان، فضلًا عن مجتمع كامل كالمجتمع العربي قبل الإسلام. وفي مادة " Story Telling " في "الويكيبيديا" يؤكد كاتبها عن حق أن جميع المجتمعات البشرية قديمًا وحديثًا قد عرفت رواية القصص.
وثانيًا: إلى أن لدينا قصصًا كثيرًا تدور وقائعه في الجاهلية، وينتسب أبطاله إليها، وقد اقْتَصَر دَورُ الكُتّاب الأمويين والعباسيين على تسجيل ذلك القصَص، وقد يكُونون تدخلوا بأسلوبهم في صياغته، وهذا أبعد ما يمكن أن تكون أقلامهم قد وصلت إليه، ومن الواضح أن هذا القصص يصور المجتمع العربي قبل الإسلام تصويرًا لا يستطيعه إلا أصحابه.
أما ما يقوله بعض المستشرقين، ويتابعهم عليه بعض كتاب العرب من أن العرب ينقصهم الخيال والعاطفة، وأنهم من ثم لم يعرفوا فن القصص؛ فأقَلُّ مَا يُقال فيه: هو أنه سخف وتنطع، إذ الميل إلى القصص هو ميل غريزي لدى كل البشر، كما أن الخيال والعواطف هي هبة من الله لم يحرم منها أمة من الأمم، بل كل الأمم فيها سواء.
ومن ذلك ما زعمه المستشرق البريطاني "ديلاسي أوليري" في كتابه ( صلى الله عليه وسلمrabia before Mohammed) من أن العربي ضعيف الخيال جامد العواطف، وإن كان الدكتور أحمد أمين قد عقب على ذلك في كتابه (فجر الإسلام) بأن الناظر في شعر العرب، وإن لم ير فيه أي أثر للشعر القصصي أو التمثيلي، أو الملاحم الطويلة التي تشيد بذكر مفاخر أمة كـ"إلياذة هوميروس" و"شهنامة الفردوسي"، سوف يلاحظ رغم ذلك براعة الشاعر العربي في فن الفخر والحماسة والغزل والوصف والتشبيه والمجاز، وهو مظهر من مظاهر الخيال.