وفيه الانغمار في الحياة والانشغال بمشاكلها، وفيه الوصف الحسي، وفيها الوصف الباطني، وفيه التأمل الفكري، وفيه التحليل العاطفي، وفيه القصص والحوار.

أما ما يقوله "مندور" فهو كلام في الهواء لا يثبت شيئًا، ولا يدل على شيء، سوى أن صاحبه لا يبالي بما يقول، وهو مسلك خطير. وكثير من الشعر العربي القديم يفيض بالقصص والحوار الذي يعكس نفسية كل متكلم.

إن دكتور "مندور" حين يقول ما قال، إنّما يُوحي بأنه لا علم له بالشعر العربي؛ إذ لا يمكن أن يصدر قوله هذا عن رجل يعرف هذا الشعر ولو معرفة بسيطة، وهذا أمر لا يليق.

والواقع أن حسم القضية الخاصة بعدم معرفة العرب للمسرح، هو أمر ليس من السهولة بمكان؛ فلم يعد هناك عَربٌ يُمكن أن نسألهم عن السر في ذلك مثلًا؛ فأصبح البحث في المسألة كأنه بحث في ما وراء الطبيعة.

وربما كان لصعوبة ظروف المعيشة التي كان يعيشها العرب دخل في ذلك، إذ لم تكن تدع لهم فرصة لالتقاط الأنفاس، والاهتمام بمثل ذلك الفن المعقد؛ لأنهم كانوا في حل وترحال، جريًا وراء الماء والكلأ، وكانت المعارك تشتعل بينهم لأتفه الأسباب؛ كما كانت النزعة الفردية متسلطة عليهم، اللهم إلا فيما تمليه عليهم الحياة إملاء لا معدى عنه كالحرب، وتنظيم القوافل مثلًا.

والمسرح يحتاج إلى جهود في الإخراج والتمثيل، وإعداد المسرح ومستلزماته، وفوق هذا فالتمثيل يقتضي اختلاط الرجال بالنساء، ولا أظن النفسية العربية في ذلك الوقت كانت تسيغه أو تسيغ قيام الرجل بدور المرأة على المسرح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015