وقد كانت ترجمة "سُليمان البستاني" الشعرية لـ"إلياذة هوميروس" إلى لسان العرب ونشره إياها في أول القرن العشرين خير دافع لشعرائنا المحدثين إلى دخول هذا الميدان، الذي كان الشعر العربي يخلو منه قبله, وكان الدكتور "يعقوب صروف" قد شجع "البستاني" على ترجمة الإلياذة أثناء زيارته لمجلة المقتطف بالقاهرة سنة سبع وثمانين وثمانمائة وألف للميلاد.
وكان "البستاني" من جانبه مشغوفًا بالشعر القصصي، هائمًا بأساطيره وخرافاته، وكان ينظم المقطوعات الشعرية، فاختمرت الفكرة من يومها في ذهنه، وأخذ يطلع على ترجمة الإلياذة باللغات الإنجليزية والفرنسية، والإيطالية، فضلًا عن قيامه بتعلم اليونانية التي كتب ذلك العمل بها، ثم قام بتعريبها شعرًا مع آلاف الهوامش التي يشرح فيها كل ما يحتاج إلى توضيح، وصدرت الترجمة بالقاهرة سنة أربع وتسعمائة وألف، فأقام له المفكرون والأدباء في مصر حفلة تكريمية بـ"فندق شبر" بذلك العام.
ولم يكتف "البستاني" بترجمة "الإلياذة" وشرح ما يحتاج فيها إلى شرح، بل زاد فوضع معجمًا ملحقًا بها، كما كتب مقدمة مطولة عرف فيها بفن الملاحم، وقام ببعض المقارنات بين الشعر العربي، وأشعار الأمم الغربية، وغير ذلك من الموضوعات شديدة الأهمية, وهذه المقدمة هي في واقع الأمر بمثابة كتاب قائم بذاته.
وفي النهاية لا ينبغي أن يفوتنا النص رغم ذلك كله على أن ترجمة "البستاني" لـ"ملحمة هوميروس" قد غلب فيها النظم على النفس الشعري.
ويجدر بنا في هذا السياق أيضًا أن نبرز الدور الذي نهض به "محب الدين الخطيب" صاحب مجلة "الفتح القاهرية" في حث الشعراء المسلمين على أن يجتهدوا في إبداع