البشرية على مصارعة عوامل الشر والانتصار عليها، ويأس من انتصار الخير في دنيانا هذه، بسبب الأهوال وألوان الدمار، والتقتيل التي أنزلتها تلك الحرب بجنس الإنسان.
والأولى تتناول سيرة بطل عربي مسلم، مشهور بالشجاعة غير الاعتيادية، وله إنجازاته الحربية، التي أسهمت في تغيير مجرى التاريخ، وهو الصحابي الجليل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على حين تحكي الثانية قصة الشيطان في تمرده المستمر على رب العباد، وعمله على بث الغواية في كل مكان، رغم معرفته بما ينتظره من عقاب رهيب في نهاية المطاف, فهي إذًا تدور حول قضية فلسفية ودينية خطيرة، هي قضية الخير والشر والصراع بينهما، ووقوع الإنسان بين شقي الرحى. وكما يرى القارئ فإن في هاتين الملحمتين العنصر الخارق.
وهناك أيضًا ملحمة "عبقر" لشفيق المعلوف و"محمد" العلي شلق و"الإلياذة الإسلامية" لأحمد محرم الذي جاء عمله أقرب إلى السرد التاريخي منه إلى الملحمة، رَغْمَ أنّ الأسلوب الذي كُتب به ذلك العمل أسلوب شعري، إذ ينقصه الوحدة العضوية التي يتطلبها البناء القصصي.
ولا مانع أن تُعدّ تلك الأعمال الحديثة بوجه عام من الملاحم، ولا ريب أن من الصعب استمرار ملامح جنس أدبي ما دون تغيير أو تعديل أو تطور، طوال كل هاتيك القرون الشاسعة, وهناك مقال لـ"ماتيا كافانيا" يتناول بعض الأعمال الأدبية الفرنسية المعاصرة؛ فيعدها من الملاحم رغم أنها لا تتوفر فيها كل العناصر الملحمية, ذلك أن هذه الأعمال قد ساهمت في إحداث ذلك التغيير الذي كان من جرائه أن أصبحت الملاحم تكتب نثرًا، بعد أن كانت على الدوام تصب في قالب الشعر؛ علاوة على غلبة الطابع العاطفي عليها.