وعلى نفس المنوال يمضي رفاعة مقارنًا بين البلاغة لدينا وبين البلاغة لدى الفرنسيين، فيقول: إن هذا الفن موجود في كل اللغات، ومنها الفرنسية بطبيعة الحال، بيد أنه في لغتنا أكمل منه في لغة الفرنسيين، كما أن علم البديع يوشك أن يكون خاصًّا بالعربية. وهو في هذه النقطة يختلف مع تلك الطائفة من الكتاب العرب القدماء ممن قالوا بخلو اللغات الأخرى من التشبيهات والاستعارات والمجاز، وما إلى ذلك. ويضيف الطهطاوي قائلًا: إن من الصور البيانية ما تستحسنه الأذواق في كل اللغات، ومنها ما يستحسنه بعض منها دون بعض، مثال ذلك: تشبيهنا الرجل الشجاع بالأسد، فهو تشبيه مقبول ومستحسن من الجميع، بخلاف كلام الشعراء العرب عن ريق الحبيبة، إذ لا يفهم الرجل الفرنسي ويعجز عن تذوقه، قائلًا: إنه بُصاق، والبصاق يبعث على النفور لا التلذذ.

وبالنسبة للشعر الفرنسي يقول رفاعة: إنه يجري على عادة الجاهلية اليونانية التي تعرف لكل معنًى من المعاني ولكل شعور من المشاعر إلهًا خاصًّا، فتراهم يقولون: إله الجمال، وإله العشق، وهذا كفر كما صرَّح، وإن أضاف أنهم لا يعتقدون في شيء من هذا، بل هو مجرد تمثيل، وهو يحكم على الأشعار الفرنسية بأن الكثير منها لا بأس بها، ولا ريب أن هذا حكم جريء يستغربه الأديب العربي الحالي الذي قد يرى أن الآداب الأوربية أرقى من الآداب العربية، أما رفاعة فرغم إعجابه بجوانب كثيرة من مدنية الفرنسيين، كان يرى أننا متفوقون عليهم في أمور الدين والاعتقاد، وكذلك في ميدان الشعر والبلاغة.

ومن الطريف قوله عن ترجمته لإحدى القصائد من الفرنسية للعربية: أخرجتُها من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام. ثم تعقيبه على جهده في ذلك بقوله: إن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015