من ذلك الكتاب نراه يعقد مقارنةً بين لغتنا وبين لغة الفرنسيس، وبلاغتنا وبلاغة الفرنسيس، فيقول مثلًا: إن لكل لغة قواعد خاصة مِن تنظيم استعمالها والتفاهم بها، وأنه إذا كان لأقسام الكلمة في لساننا ثلاثة هي الاسم والفعل والحرف، فإنها في الفرنسية هذه الثلاثة المذكورة، مضافًا إليها الضمير، وحرف التعريف، والنعت، واسم الفعل واسم المفعول، والظرف، وحروف الجر، وحروف الربط، وحروف النداء، والتعجب، ونحوه، وإن الكلمة قد تكون حرف جر في موضع، وظرفًا هي نفسها في موضع آخر؛ لأنها إذا جاء بعدها اسم كانت حرفًا، بخلاف ما لو استقلت بنفسها فإنها تكون حينئذٍ ظرفًا.
ومما قارن به بين اللسانين والبلاغتين أيضًا قوله: إنهم في فرنسا لا يعرفون نَظْم العلوم كما هو الحال عندنا في (الألفية) مثلًا، وهذا راجع إلى اتساع العربية، وضيق المجال في لغة الفرنسيين.
وبالمثل تكلم عن الفرق بين العَروض العربية ونظيره الفرنسي، قائلًا: إن لكل لغة عروضها الخاص بها، وإن النثر الفرنسي لا يعرف التقفية، أي: أنهم لا يلجئون إلى السجع، بخلاف الحال عندنا حيث استخدموا السجع في الرثاء والخطب والتاريخ، وما إلى ذلك، حسبما يقول.
كما أن المؤلفين الفرنسيين يهتمون بالتدقيق في ألفاظهم وعباراتهم، ويعملون على أن يجيء ما يكتبونه واضحًا لا يحوج إلى معاناة في الفهم والتعلم، ولا إلى ما كان يسمى عندنا بفك الألفاظ، ومن ثم فليس للكتب الفرنسية شروح ولا حواش، اللهم إلا إذا استلزم الأمر بعض التعليقات السريعة بمزيد من الضبط والإتقان.