وهكذا لم يترك إخوان الصفا طائفةً ولا طبقةً إلا وصوبوا إليها سهام النقد، ونبال التقريع، لا لشيء إلا لكي يمحصوا هذا الإنسان الذين أرادوه أن يكون خالدًا، ولا لشيء إلا لكي ينقدوا أوضاع عصرهم بصراحة وصدق، قل نظيرها.
فكما ترى كتب إخوان الصفا قصة ضمنوها أبطالًا من الحيوانات مثلما فعل "إيسوب" وغيره ممن ألفوا هذا اللون من القصص، إلا إن هناك فروقًا بين ما صنعوه وما صنع "إيسوب"، فأبطال "إيسوب" كلهم حيوانات، على حين كان أبطال إخوان الصفا مزيجًا من الإنس والحيوان والجن أيضًا، كما أن حكايات "إيسوب" حكايات شديدة القصر، وتنزع إلى تقديم موعظة أخلاقية، أما إخوان الصفا فالأمر عندهم أوسع من ذلك مدى وأكبر، إذ يعالجون في قصتهم قضية فلسفية عميقة يقلبون فيها الرأي على كل جوانبه، بحيث يتبين لنا أن الحقيقة ذات أوجه متعددة، وأن الوصول إليها يحتاج إلى جهد وتقليب رأي، كذلك بينما نرى "إيسوب" قد ترك حكايات حيوانية كثيرة، إذ بنا لا نجد إخوان الصفا إلا تلك الحكايات التي بين أيدينا.
ولكن ما صلة رسالة إخوان الصفا بحكايات "إيسوب"؟ هل تأثر إخوان الصفات بحكايات ذلك الحكيم الإغريقي ذي الأصل الحبشي؟
ليس هناك دليل على أن هذا التأثر قد وقع، إلا أن يكون ثَمة تأثر غير مباشر، وهو ما لا نستطيع في الظروف الراهنة أن نضع يدنا عليه.
والخلاصة:
أننا في الوضع الحالي ليس في مكانتنا أن ندلي بجواب على هذا السؤال رغم ما يوجد من تشابه عام شديد العمومية بين العملين.