قال زعيم الإنس: إن منا الملوك والأمراء والخلفاء والسلاطين، وإن منا الرؤساء والكتاب والعمال وأصحاب الدواوين، والقواد والحجاب والنقباء، والخواصة وخدم الملوك وأعوانهم من الجند، ومنا أيضًا الدَّهاقين والشرفاء والأغنياء، وأرباب النعم، وأصحاب المروءات، ومنا أيضًا الصناع وأصحاب الحرث، ومنا أيضًا الأدباء وأهل العلم، ومنا المتكلمون والنحويون والقصاص، وأصحاب الأخبار، ورواة الحديث والقراء والعلماء، والفقهاء والقضاة والحكام والعدول، وأيضًا منا الفلاسفة والحكماء والمهندسون والمنجمون والطبيعيون، فرد عليه زعيم الحيوانات، وأخذ ينتقد الطبقات طبقةً طبقةً، والطوائف طائفةً طائفةً.
فمن ذلك قوله: وذلك أن منكم الفراعنة والنماردة والجبابرة والكفرة والفجرة والفسقة والمشركين، والمنافقين والملحدين والمارقين والناكثين والقاسطين والخوارج، وقطاع الطريق واللصوص والعياريين والطراريين، ومنكم أيضًا الدجالون والباغون والمرتابون، ومنكم أيضًا الغمازون والكذابون والنباشون، ومنكم أيضًا السفهاء والجهلاء والأغبياء والناقصون إلى آخره.
وذلك أن أول شيئًا ذكرت وافتخرتَ به أن منكم الملوك والرؤساء ولكم أعوان، وما علمتَ أن أكثر ملوك الإنس ورؤسائهم لينظر في أمور رعيته وجنوده وأعوانه، إلا لجر المنفعة لنفسه، أو لدفع المضرة عنه، أو لأجل من يهواه بشهواته كائنًا من كان، وليس هذا من فعل الملوك العقلاء، ولا عمل الرءوس ذووا السياسة الرحماء، بل من سياسة الملك وشرائعه وخصال الرئاسة، أن يكون الملك والرئيس رحيمًا رءوفًا لرعيته، مشفقًا متحننًا على جنوده وأعوانه؛ اقتداءً بسنة الله الرحمن الرحيم الجواد الكريم الرءوف الودود لخلقه وعبيده.