ومن الأدلة على ذلك أيضًا: أننا نجد ذكر قوم موسى وعيسى وأقوالهم وأخبارهم، وكذلك ذكر البوذيين والبراهنة وعقائدهم، واليونانيين والفرس والسريان والرومان والهنود وغيرهم، فهي رسالة تتوجه إلى الإنسان في كل زمان ومكان في مواجهة المخلوقات الأخرى من نبات وحيوان وجن، وتبين مكانته، وتوضح فضله على كافة الكائنات.

ولكن لا يقعنَّ في وهنك ولا يستقر في خلَدك أن الرسالة جعلت الإنسان ينفرد ويطغى ويستبد بالأمر وحده في هذه الحياة من غير رادع ولا ضابط حتى يكون إلهًا أو شبيهًا بالإله، لا، بل هناك ضوابط تكبح جماحه، وكوابح تحد من طغيانه واستبداده، وتتجلى تلك الضوابط والكوابح في ذلك الكم الوفير من النقل لطبقات الأمة، وشرائح المجتمع من ملوك وساسة ووزراء وكتاب وأدباء وفقهاء، وقراء وتجار ومهندسين ووكلاء ومحاسبين، وفي تلك النقادات المرة الأجناس من روم وفرس وسريان وهنود وعرب وغيرهم، فعندما يقوم الهندي من جزيرة "سرنديم" ويتكلم ويثني على ربه ويمدح قومه، ويصف ما لهم من المزايا والخصال الحميدة، يرد عليه صاحب العزيمة في التو واللحظة ليكبح جماحه، ويضعه موضعه من غير تهويل ولا تحقير، فيقول له: لو أتممتَ الخطبة وقلت: ثم بُلينا بحرق الأجسام، وعبادة الأوثان والأصنام والقردة، وكثرة أولاد الزنا، وسواد الوجوه.

وهكذا كلما افتخر جنس من الأجناس بمزاياه ومحاسنه، رده صاحب العزيمة من الجن إلى جادة الصواب، وردعه بذكر مساوئه وسيئاته لئلا يطغى ويضل، وكذلك عندما يفتخر الإنسان -جنس الإنسان- بطبقاته وملوكه ورؤسائه، يردعه الحيوان الواقف له على الناصية المقابلة كخَصم وقرين، ويوجهه ويعيده إلى جادة الحق وسواء السبيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015