الأفلاك، ومعرفة منافع الحيوانات والنبات، ومعرفة الأبعاد والحركات، وآلات الأرصاد والمطلسمات، وعلم الرياضيات والمنطقيات، والطبيعيات والإلهيات، فله الحمد والشكر والثناء على جزيل العطايا.
والرسالة تتوجه في خطابها إلى الإنسان في كل زمان ومكان بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لغته أو قوميته. والدليل على ذلك أننا نجد جميع أصناف الناس وشتى طوائفهم وكافة أديانهم، انظر إلى إخوان الصفا عند ختام المحاكمة كيف جعل المتحدث الذي له كلمة الفصل، فقال عند ذلك الخبير الفاضل، الذكي العابد، المستبشر الفارسي النسبة، العربي الدين، الحنفي الإسلام، العراقي الأدب، العبراني المخبر، المسيحي المنهاج، الشامي النسك، اليوناني العلوم، الهندي التعبير، الصوفي الإشارات، الملكي الأخلاق، الرباني الرأي، الإلهي المعارف، فقال: الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على النبي محمد وآله أجمعين أما بعد:
أيها الملك العادل، لما بان وتبين في حضورك صدق ما ادعى جماعة الإنس، وظهر عندك أن من هؤلاء الجماعة قوم هم أولياء الله، وصفوته من خلقه وخيرته من بريته، وأنهم لهم أوصاف حميدة وصفات جميلة وأعمال ذكية، وعلوم متقنة، ومعارف ربانية، وأخلاق ملكية، وسير عادلة قدسية، وأحوال عجيبة، قد كلَّت ألسنة الناطقين عن ذكرها، وقصرت أوصاف الواصفين لها عن صفاتها، فما يأمر الملك العادل في حق هؤلاء الغرباء من الإنس وهؤلاء الحيوانات العبيد لهم؟ فأمر الملك أن تكون الحيوانات بأجمعها تحت أوامرهم ونواهيهم، ويكونوا منقادين للإنس، فقبلوا مقالته، ورضوا بذلك وانصرفوا آمنين في حفظ الله تعالى وأمانه.