ولكن ما هي الاعتبارات التي أعلت من شأن الإنسان، ومنحته مكانته ومنزلته، وأعطته مقام الربوبية على الحيوانات، أُولى هذه الاعتبارات قيمة العقل، وكون الإنسان حكيمًا عاقلًا ذا مقدرة على الفهم والتأمل والدرس، وبواسطة هذا العقل يحصل العلوم والمعارف والمهارات التي تخضع له الطبيعة، وتجعله يقر بخالقها.
قال الأسد: لماذا يفتخرون علينا ويستحقون الربوبية أم بالشجاعة والجسارة أما بالحملات والوثبات؟ قال الرسول: ليست الحكومة ولا المناظرة بحضرة ملك الجن في قصرة من هذه، وإنما الحجاج بفصاحة الألسنة، وجودة البيان، ورجحان العقول، ودقة التمييز، وليس يفتخر بنو آدم بشيء من هذه ولكن برجحان العقول، وفنون العلم، وغرائب الآداب، ولطائف الحيل، ودقة الصنائع والفكر، والتمييز والروية، وذكاء النفوس، وثاني هذه القيم تصرفهم في فنون العلم والبحث والتجربة والمغامرة في البر والبحر، وعمارة الأرض، وتسيير دفة الحياة.
قال خطيب الإنس بعد كلام طويل أثنى فيه على الله -سبحانه وتعالى- بما هو أهله: فله الحمد والمن والثناء، إذ خصنا بذكاء النفوس، وصفاء الأذهان، ورجحان العقول، فنحن بذات الله استنبطنا العلوم الغامضة، وبرحمته استخرجنا الصنائع البديعة، وعمرنا البلاد، وحفرنا الأنهار، وغرسنا الأشجار، وبنينا البنيان، ودبرنا الملك والسياسة، وأوتينا النبوة والرياسة.
وبعد ذلك تكلم اليوناني فقال بعد أن مجد الله وحمده: وجعلنا ملوكًا بالخصال الفاضلة، والسير العادلة، ورجحان العقول، ودقة التمييز، وجودة الفهم، وكثرة العلوم، والصنائع العجيبة، والطب والهندسة وعلوم النجوم، وتركيب