من نار السموم، وخلق الإنس من طين، ثم جعل نسلهم من سلاسة من ماء مهين في قرار مكين، وجعل ذريتهم في الأرض يخلفون؛ ليعمروها ولا يخربوها، ويحفظوا الحيوان، وينتفعوا بها، ولا يظلموها، ولا يجور عليها، وأستغفر الله لي ولكم.
ثم قال: ليس في شيء مما ذكر هذا الإنسي من الآيات أيها الملك دلالة تدل على ما زعم أنهم أرباب ونحن عبيد، إنما هي آيات تدل على إنعام الله عليهم، وإحسانه إليهم، فقال: سخرها لكم كما سخر الشمس والقمر والرياح والسحاب، أفترى أيها الملك أنها عبيد لهم ومماليك وأنهم أربابها؟
أخذ زعيم الحيوان يبين لملك الجان أن الخلائق كلها في السموات والأرض مسخرة بعضها لبعض، إما لجلب منفعة أو لدفع مضرة، هذه العلة لا كما ما ظنوا وتوهموا، وقالوا من الزور والبهتان بأنهم أرباب لها والحيوانات عبيد لهم، ثم جعل زعيم الحيوان يصف الحياة البدائية الأولى التي عاشوها قبل آدم، وما كانوا عليها من السعادة والصفاء والمودة والتفاهم، حتى جاء آدم وانتشرت ذريته وأخذوا في تسخير الحيوانات من غنم وبغال وحمير وخيول وبقر، وطاردوها شر مطاردة، فأمسكوا ما أمسكوا، وما لم يمسكوه ذهب في فِجاج الأرض، والبراري والقفار وبطون الأودية، ورءوس الجبال، واستغلوها أبشع استغلال من حمل وركوب، وجر وشد، وحرث ودياس، وقتل وسَلْخ، وحطم وكسر، وجَز ونتر، وشي وطبخ.
وبعد أن وصف زعيمها صنوف العذاب التي لاقوها من بني الإنسان، وألوان الاستعباد التي عانوها، دعا للملك، وطلب منه النصفة والعدل.