وأخيرًا تمتزج لغة الطبيعة -الريح مع لغة الإنسان- وتقوم الريح بحمل أفكاره نحو بعث الوحي التاريخي.

و"أنشودة المطر" عند السياب تقوم على نفس هذه الركيزة، فالموت والحياة جدلية واضحة، ومن تداخلهما يبرز البعث الفكري للحضارة، ويقوم المطر بوصفه عنصرًا فعالًا في الطبيعة بمهمة الريح نفسها في قصيدة "شيلي":

أكاد أسمع النخيل يشرب المطر.

وأسمع القرى تئن.

والمهاجرين يسارعون بالمجاديف وبالقلوع.

عواصف الخليج والرعود منشدين: مطر مطر مطر!!

ويقول عدنان مكارم: إنه لما كانت رياح "شيلي" تحمل ثنائية الموت والبعث، فإن مطر السياب أيضًا له نفس الخاصة، فهو كالدم المُراق، كالجياع، كالحب، كالأطفال كالموتى، هو المطر. مقارنًا أن هذه الرمزية الثنائية للمطر لم يكتشفها "شيلي" أو السياب أو حتى "إليوت" الذي استعملها كعنصر رمزي في كل شعره، بل هي رمزية لا واعية وُجِدت في الشعر العربي القديم، وتم للجهلي اكتشافها عبر مراقبته لحركة الطبيعة المؤثرة في مجمل حياته، إذ المطر في الشعر الجاهلي مرتبط بالفرح والحزن كليهما، وأنه من ثَم يتداعَى مع معاني الحياة والموت في حالات كثيرة منه.

كذلك فالميلاد الجديد -ميلاد الربيع في قصيدة "شيلي"- هو نفسه عالم الغد الفتي عند السياب حسبما يؤكد عدنان مكارم، إلا أن "الأنا" الرومانسية الطافية على السطح في قصدية "شيلي" قد ذهبت في الجماعة عند السياب، وذلك بسبب المرحلة الواقعية التي كتب فيها "أنشودة المطر".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015