ولقد استطاع "جوته" بثقافته العميقة الواسعة، ومكانته البارزة؛ وقدرته الفذة على الإبداع، أن يجعل فكرة التواصل بين الآداب الأوربية خاصة، والآداب كلها بعامة، تستقر في الأذهان، وتصبح من الأمور المسلمة التي لا تقبل الجدل على الرغم من طغيان العصبية القومية في أوربا. وهكذا بدت دعوة الأدب العالمي، وكأنها كانت بمثابة تمهيد طبعي لنشوء فكرة الأدب المقارن. انتهى الاقتباس من الدكتور محمد سعيد جمال الدين.
والواقع؛ أنه لا ينبغي أن يكون هناك عجب من الأمر، إذ من قال: إن الأدب المقارن قد نشأ وهدفه التقريب بين الشعوب والأمم على أساس من روح الأخوة، أن هناك فرقًا كبيرًا بين رغبة بعض العلماء والمفكرين في أن يؤدي الأدب المقارن إلى نشؤ هذه الروح، وبين استجابة النفوس البشرية التي تمارسه وتشتغل به، أو تهتم به لهذه الروح؛ ذلك أنه كان هناك دائمًا، وسيظلُّ هناك دائمًا فجوة بين المثال، والواقع كبرت هذه الفجوة أم صغرت! فهذه طبيعة الحياة البشرية.
وعلى أية حال؛ هُناك عوامل أخرى للأدب المقارن، كانت وما زالت وراء الاهتمام بهذا الفرع من فروع البحث، منها: إرضاء الفضول البشري الذي يريد أن يعرف من أين جاء هذا العنصر أو ذاك، إلى ذلك الأدب أو هذا وإلى أين يمكن أن يذهب بعد ذلك؟ ومنها أيضًا الرغبة الفطرية في المقارنة بين المتشابهات والمتخالفات في أي شيئين من جنس واحد، إن لم يكن من أجل شيء فمن أجل إرضاء النزعة العقلية المقارناتية التي لا تهدأ عند بعض الناس، إلا إذا اشتغلت ولا ترتاح إذا بقيت خاملة لا وظيفة لها.
ثُمّ هُم بعد هذا كله لا يمكنهم أن ينسوا قوميتهم، ولا حُبَّهم لبلادهم وشعوبهم، ولا إيثارهم لحضارتهم وعاداتهم، وتقاليدهم وأذواقهم وفنونهم وأدبهم،