لقد كان المزاج الأوربي الذي ساد القرن الثامن عشر والتاسع عشر، مشبعًا بأسباب التنافر والتباعد لا بمظاهر التآزر والتقارب، حقًّا لقد كانت هناك نقط التقاء، توحد بين الأدباء الأوربيين في ذلك الوقت، إذ كانوا جميعًا يرون في شعر اليونان واللاتين القدماء مثلهم الأعلى الذي يتعين عليهم أن يحتذوه؛ إلا أن روح القومية التي سادت في ذلك الوقت كانت تعصف بكل رغبة في التسليم بتبادل التأثير بين الآداب الأوربية بعضها وبعض.
لكن ظهرت في ألمانيا في أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر حركة نادت بالأدب المقارن، حيث تتجمع الآداب المختلفة كلها في أدب عالمي واحد؛ يبدو وكأنه نهر يرفده كل أدب من الآداب القومية، بأسمى ما لديه من نتاج إبداعي، وقيم إنسانية وفنية.
وكان زعيم هذا الاتجاه الشاعر الألماني "جوته" المولود في سنة ألف وسبعمائة وتسع وأربعين، والمتوفى في سنة ألف وثمانمائة واثنتين وثلاثين، الذي عد نفسه نموذجًا تتجمع فيه صفة العالمية؛ فقد كان مطلعًا على الآداب الأوربية متمثلًا قيمها واتجاهاتها، ومَدّ بصره إلى خارج الحدود الأوربية الضيقة المضطربة، فوجد في الآداب الشرقية الإسلامية عالمًا رهبًا لا نهائيًّا من الطهر والطمأنينة؛ بدا له وكأنه قبس من نور النبوة، كما وجد منبعًا صافيًا من الإبداع والإلهام المتجدد، عَبّر عنه بوضوح في ديوان سماه "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي".
كتب في مقدمته: "هذه باقة من القصائد يرسلها الغرب إلى الشرق" ويتبين من هذا الديوان، أن الغرب قد ضاق بروحانيته الضعيفة الباردة فتطلع إلى الاقتباس من صدر الشرق.