وبخاصة إذا كانوا ينتمون إلى أمم قوية، تتطلع إلى جر الأمم الأخرى وراءها كأنها القاطرة وعرباتها، ولا تريد لأحد أن يخالف عن رأيها، ولا أن يكون لها ذوق يتميز عن ذوقها بله يمتاز عليه. أما الكلام والتشدق به فما أسهله؛ لكن الكلام وحده لا يجعل الأمنيات حقيقة واقعة محترمة من الجميع.
وإذا كانت الطبيعة البشرية لم يستعص عليها أن تتلاعب بالدين ذاته، وأن تحوله إلى أداة للتكسب والخداع والقتل والتدمير في كثير من الأحيان، أفنظن أن الأدب المقارن سوف يصمد أمامها، ويكون عندها أقدس وأجل وأكثر تبجيلًا.
وفي كلام "رينو ويلك" التالي ما يؤكد ما قلته، فقد ذكر أنه وإن كان ظهور الأدب المقارن، قد جاء رد فعل ضد القومية الضيقة التي ميزت الكثير من بحوث القرن التاسع عشر، احتجاجًا على الانعزالية لدى الكثير من مؤرخي الآداب الأوربية، فضلًا عن تصدر التبحر في هذا العلم من بعض العلماء الذين يقعون على مفترق الطرق بين الشعوب، أو على الحدود بين شعبين على الأقل؛ فإن هذه الرغبة الأصيلة في أن يعمل ذلك الأدب المقارن كوسيط بين الشعوب، ومُصلحٍ للذات بينها؛ غالبًا ما طمسته وشوهته المشاعر القومية الملتهبة التي سادت في ذلك الواقع.
وهذا الدافع الوطني في أساسه، الذي يكمن خلف العديد من دراسات الأدب المقارن؛ في فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا وغيرها؛ أدى إلى نظام غريب من مسك الدفاتر الثقافية، والرغبة في تنمية مدخرات أمة الباحث، عن طريق إثبات أكبر عدد ممكن من التأثيرات التي أصدرتها أمته في الشعوب الأخرى، أو عن طريق إثبات أن أمة الكاتب قد حضرت أعمال أحد العظماء الغرباء، وفهمته أكثر من أي أمة أخرى.