وأما كتب فرنسيس فلا شيء من ذلك فيها؛ فليس بكتبها شراح ولا حواش، فإذا شرع الإنسان في مطالعة كتاب في أي علم كان، تفرغ لفهم مسائل ذلك العلم وقواعده من غير محاكة الألفاظ". هذا ما قاله جابر عصفور.
ذلك أنّ رفاعة إنما قصد طريقة التأليف على عهده، وفي الكتب التي كانت تدرس بالأزهر لا غير؛ وهي كتب كزة يُدل أصحابها بالإيجاز المرهق والغموض، واحتمال كلامهم فيه أوجه عدة لا معنى واحدًا، كما جرت العادة أن يقوم الشارحون بتفصيل الموجز، وتوضيح المشكل، والتعليق على كل صغيرة وكبيرة في الكلام وإعرابه.
ولم يقصد رفاعة اللغة العربية في ذاتها بأي حال، وإلّا فقد كان القدماء العرب يكتبونَ فيفهم عنه قراؤهم دون حاجة إلى شرح أو حاشية، كما أننا الآن نقرأ ما يكتب في عصرنا دون أن ننتظر شيء من هذا كي نفهمه، فضلًا عن أن كتب رفاعة كانت ولا تزال مفهومة من تلقاء نفسها، لوضوحها وجريها على سنن المؤلفين القدماء الواضح القويم.
وكيف يقصد الطهطاوي ما فهمه الدكتور جابر، أو ما أراد الدكتور جابر أن نفهمه ولسان الضاد إنما هو لسان البيان والجمال والدقة، كما افتخر رفاعة بلغة القرآن الكريم في كتابه مرارًا، وعَدّ هذه المحسنات من مزاياها التي لا تشاركها فيها لغة "فولتير".
وعلى نفس المنوال يَمضي رفاعة مقارنًا بين البلاغة لدينا والبلاغة لدى الفرنسيين؛ فيقول: "إن هذا الفن موجود في كل اللغات، ومنها الفرنسية بطبيعة الحال، بيد أنه في لغتنا أكمل منه في لغة الفرنسيين، كما أن علم البديع يوشك أن يكون خاصًّا بالعربية".