ويضيف الطهطاوي قائلًا: إن من الصور البانية ما تستحسنه الأذواق في كل اللغات، ومنها ما يستحسنه البعض منها دون بعض، مثال ذلك: تشبيهنا الرجل الشجاع بالأسد؛ فهو تشبيهٌ مقبول ومستحسن من الجميع، بخلاف كلام الشعراء العرب عن ريق الحبيبة، إذ لا يفهمه الرجل الفرنسي ويعجز عن تذوقه قائلًا: إنه بصاق والبصاق يبعث على النفور لا التلذذ.
وقبل ذلك رأيناه يعرض في شيء من التفصيل للغة الفرنسية؛ فيتكلم عن تصريف أفعالها، وتاريخها، وأصولها. وبخاصة الأصل اليوناني الذي يكاد يستغرق فيها مصطلحات العلوم كلها، ثم يعرج على البديع قائلًا: إنه غير مستعمل ولا مستحسن عندهم؛ اللهم إلا التورية في كتاباتهم الهزلية فحسب، بخلاف الجناس فهو غير مقبول لديهم البتة، ومجرد ترجمة ما هو موجود منه في لغتنا تذهب ظرافته في الحال.
ومع هذا؛ فإنه يؤكد أن العربية أصعب اللغات، كما يقر بقوة أن من كان عالمًا بقواعد لغته متبحرًا فيها، يكون عالمًا بالقواعد في جميع اللغات بالقوة على الأقل، وهي لفتة عقلية عجيبة سبق بها زمنه؛ إذ ليس لكلامه هذا من معنى سوى أن هناك قواعد نحوية عالمية، تتمثل في الخطوط العامة لقواعد اللغات المختلفة، وهو ما يقول به علم اللغة الحديث.
كما أشار ضمن ما أشار إلى كتاب في نحو اللغة العربية وصرفها، وضعه أحد المستشرقين الذين عرفهم في باريس، يختلف في ترتيبه عن كتب النحو والصرف عندنا، والسبب في هذا -هو حسبما لاحظت- أنهم يضعون الطالب الفرنسي في اعتبارهم حين يؤلفون مثل تلك الكتب؛ فيتوسعون في بعض ما نراه نحن واضحًا بذاته، لتشربنا كثيرًا من أواضع لغتنا تلقينا منذ الصغر، على عكس