عقود القرن التاسع عشر، وهو الوقت الذي أنشئ فيه أول كرسي للأدب المقارن في فرنسا، إذ عُيّن "أبل فرونسوا زيما" أستاذًا لهذا التخصص من جامعة "السربون" سنة ألف وتسعمائة وثمان وعشرون ميلادية، ولم يكن قد مر على وصول رفاعة إلى باريس إلا عامان.
وكتاب رفاعة كتاب عجيب لا يمكن تجاهله أبدًا، إذا ما أردنا الكلام عن بدايات عصر النهضة بمصر، إذ يبدُو وكأنه يحتوي على كل شيء يتعلق بذلك العصر، المُهِمّ أن كاتبنا قد خصص بضع صفحات من ذلك الكتاب، على درجة عالية في القيمة، في المقارنة بين اللغتين الفرنسية والعربية وبين أدبيهما؛ ففي عدة مواضع من ذلك الكتاب نرى رفاعة يعقد مقارنة بين لغتنا ولغة الفرنسيس، وبلاغتنا وبلاغة الفرنسية؛ فيقول مثلًا: "إن لكل لغة قواعد خاصة، لتنظيم استعمالها والتفاهم بها وأنه إذا كانت أقسام الكلمة في لساننا ثلاثة، هي: "الاسم، والفعل، والحرف" فإنها في الفرنسية هذه الثلاثة المذكورة مضافًا إليها: "الضمير، وحرف التعريف، والنعت، واسم الفاعل، واسم المفعول، والظرف، وحروف الجر، وحروف الربط، وحروف النداء، والتعجب ونحوه.
وإن الكلمة قد تكون حرف جر في موضع، وظرفًا هي نفسها في موضع آخر، لأنها إذا جاء بعدها اسم كانت حرفًا، بخلاف ما لو استقلت بنفسها؛ فإنها تكون عندئذٍ ظرفًا، وذلك كقولنا: جئت قبل زيد أو بعده. وجئت قبلًا أو بعدًا إلى آخره وهذا للتقريب فقط".
ومما قارن به رفاعة بين اللسانين والبلاغتين أيضًا؛ قوله: إنهم في فرنسا لا يعرفون نظم العلوم كما هو الحال عندنا في الألفية مثلًا، وهذا راجع إلى اتساع العربية وضيق المجال في لغة الفرنسيين.