عما قبل؛ أما الآن فقد افتضحت وصارت مكشوفة للعيان، دون أدنى تذويق وهذا مجرد مثال.
ويُمكن أن يكون الأدب المقارن معولًا على توسيع الأفق؛ إذ يرينا كيف أن الأذواق والأوضاع والقيم الأدبية، تختلف من أدب لآخر ومن أمة إلى أخرى، رغم أن هناك أشياء مشتركة كثيرة أيضًا، وهذا الاختلاف دليل على ثراء الحياة، وعلى غنى القدرة الإلهية المبدعة التي لا تنفد ولا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، وفي القرآن الكريم آية تقول: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118، 119).
وهذه الآية وإن كانت تتعلق بالأديان واختلافها، واختلاف الناس بشأنها من ثم من الممكن الاستشهاد بها هنا؛ فالاختلاف بين البشر لا يقتصر على الأديان، بل يشمل كل شيء يتعلق بهم أنه سنة بشرية، مثلما التشابه في بعض الجوانب سُنّة بشرية أخرى.
ولا شك أن اطلاعنا على ما عند غيرنا، وتحققنا من أنه يختلف كثيرًا أو قليلًا عما عندنا؛ جدير أن يعمق فهمنا للحياة والأحياء، ويوسع مداركنا، ويجعلنا نتقبل الآخرين، ونتفهم حقيقة اختلافهم عنا؛ فنكون أرحب صدرًا، وأقدر على التسامح مع تمسكنا بما لدينا في ذات الوقت وإلا تحول الأدب المقارن نقمة وأذى، إذا كانت ثمرته تمييع مواقفنا والانتهاء بنا إلى العجز عن اتخاذ موقفًا ثابتًا نابعًا من إيمان حقيقي بفائدة ما في أيدينا وصحته وأحقيته.
لنأخذ على سبيل المثال ما كتبه رفاعة الطهطاوي أبو المقارنين العرب في العصر الحديث، في موضوع المقارنة بين الأدبين العربي والفرنسي في كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريس) الذي كتبه وهو في فرنسا في النصف الأخير من ثاني