للإرادة فيه، إذ ترى في هذه المأساة أبًا يفسق بخادمته، ثم يرث ابنه منه هذه الخطيئة، فيهم هو الآخر بأن يفسق بخادمته، على الرغم أنه لم يعش في جو أسرته، ولم يعش في جو الخطيئة، بل أرسلته أمه بعيدًا عن المحيط الملوث ليتعلم ويتثقف؛ ولكنه هم بفعلته تلك بعد عودته، فكأنها غريزة فيه وصفة فطرية ورثها من والده لا يستطيع عنها فكاكًا.

وتُصور المسرحية الثانية قضية صفقة تجارية يجريها شيخ شرير مع شاب خير؛ فيتبادل كل منهما روح صاحبه، ولكن كل من الروحين لا يستقر في جسم الآخر، فكأنه هناك تلازم بين الجسم والروح.

وقد أخذت الرمزية تغزو الأدب العربي المعاصر، ولكن قبل أن يلم بهذه القضية يجدر بنا أن نسأل أنفسنا: هل عرف الأدب العربي القديم الرمزية؟ وجوابًا على هذا السؤال أستطيع أن أقول دون تحفظ: إن الأدب العربي القديم لم يعرف الرمزية كما هي عند "بودلير" و"إدجر ألمبو" و"مارميه" ولكنه عرف الرمزية في أسلوب الكناية، وهناك علاقة وثيقة بين الرمزية الحديثة والكناية التي نعرفها في علم البيان، وسوف نورد بعض من أمثلة الكناية للنظر إلى أي حد يمكن أن تكون صورًا رمزية أو قريبة منها في الإيحاء.

فعندما أقول: "فتى رياضي" فإنني هنا أكني عنه بأنه ذو قوة وعضلات مشدودة، ولو وضعت لفظة أرمز بدل أكني؛ لاستقام المعنى واستقامت الدلالة.

وحينما يقول العربي: "قلبت له ظهر المجن" والمجن هو الترس الذي يستتر به المحارب من واقع السهام والرماح؛ فإنّ هذا التعبير رمز أو كناية عن تغير المودة.

وحينما يقول الغربي: "ذاب بينهم الجليد" فإن ذلك التعبير رمز أو كناية عن رجوع أواصر المحبة أو علاقات التعاون بعد أن كانت مقطوعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015