بحالته النفسية، والشعر فيه شيء من غموض؛ ولكنه غموض يُوحي لقارئه بإدراك المعنى، والجو النفسي الذي يعيشه الشاعر، وليس بغموض أولئك الشعراء الناشئين المقلدين الذين يتنطعون ويتقعرون، ويجعلون من ذلك الغموض شيئًا أشبه بالألغاز حتى هم أنفسهم لا يدركون معناها، وإنما يقصدونها سترًا لعجزهم، وإيهامًا للناس بشاعريتهم.

وبعد هذا كله؛ ربما يتبادر إلى ذهن القارئ أن الرمزية لم تظهر إلا في الشعر، والشعراء وحدهم هم الذين اهتموا بها، نظرًا لما فيها من الغموض الذي بطبعه يناسب الشعر، ولعلنا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن الرمزية لم تقتصر على الشاعر الغنائي الذاتي فحسب، وإنما تعدته إلى الأدب الموضوعي، الذي يهتم بالمشاكل الإنسانية والأخلاق الاجتماعية العامة، تعالجها بواسطة الأخيلة والصور.

ولكن يجب ألا يعزب عن البال: أنّ الرمزية لا تأخذ نفسها في معالجة هذه المشاكل والأخلاق وتحديدها، ونقدها كما في الكلاسيكية مثلًا، بل تأخذ في تجسيم الأفكار النظرية المجردة، وإلباسها شيئًا من الحوادث والأفعال؛ لتُصبح ديناميكية متحركة، ونلمح من خلالها الحقائق الفلسفية والخلقية.

وكثيرًا ما يلجأ الرّمزيون في علاج هذه الموضوعات إلى الأساطير القديمة، بل إنهم ينحون نحوها في ابتكارهم للحوادث والأعمال، عند عرض أو مناقشة قضية إنسانية عامة، كما يلاحظ ذلك في القصص والمسرحيات التي ابتكرها الرمزيون من أخيلتهم؛ كمسرحية "الأشباح" لـ"إبسون" ومسرحية "صفقة الشيطان" لـ"جيروم".

وتعرض المسرحية الأولى من خلال الوقائع مشكلة إنسانية لم يبت فيها أحد، وهي مشكلة توارث الخطيئة؛ على نحو يكاد يكون عضويًّا لا دخل للوعي ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015