والواقعُ أنه لا هذه النظرة، ول29:10 ولا تلك النظرة الصحيحة للوجود؛ ففي الوجود ما يدعو إلى التشاؤم، وفيه في ذات الوقت ما يدفع إلى الابتهاج، والتفتح للحياة والتفاؤل بالمستقبل، بيد أن الظروف تختلف من شخص لآخر، ومن فترة تاريخية إلى أخرى، ومن مجتمع إلى مجتمع إلى غيره وهكذا.
على أنه ينبغي ألا يستسلم الأدباء لمعوقات الحياة والمجتمع في الفترات التي تنتشر فيها العيوب والسلبيات، بل عليهم إلى جانب تصوير تلك المعايب والشرور ألا يغفلوا عما في الحياة من جوانب الخير والأمل، حتى لا يكونوا بدورهم عبأ على المجتمع والقوى الناهضة المكافحة، ولكن بشرط ألا يزيفوا الواقع، ويقدموا صورة براقة، لا تساعد الوقائع اليومية على تصديقها وابتلاعها كما كان يحدث في أحيان غير قليلة في الأدب الاشتراكي، على أيام الاتحاد السوفيتي؛ حينما كان الناقد "سيمنوف" مثلًا يُعلن أن أدبهم يهدف إلى تغليب عوامل الخير والثقة في الإنسان وقدرته، وأن واقعيتهم واقعية متفائلة، تؤمن بإيجابية الإنسان وقدرته على الإتيان بالخير، والتضحية في سبيله بكل شيء في غير يأس ولا تشاؤم ولا نبرات مسرفة كما يقول الدكتور مندور السالف الذكر، وكانت الأعمال القصصية تبالغ في تصوير النفوس الخيرة مبالغة لا يستطاع هضمها.
ولمزيد من التفصيل نقول: إن الواقعية مذهبٌ في الفن والأدب، يُشير إلى محاولة الأديب أو الفنان تصوير الحياة كما هي في الواقع، وتكمن المهمة الرئيسية للفنان في نظر الفنان الواقعي؛ في وصف كل ما يلاحظه بحواسه بدقة وصدق شديدين، بغير إهمال لما هو قبيح أو مؤلم، ومن غير اقتراح للرمزية.
ولقد كانت الواقعية ثورة على كل من التقليدية الكلاسيكية والعاطفية الرومانسية، وهُما حركتان فنيتان عالجت أعمالهما أمور الحياة بأساليب مثالية،