خلال منظار أسود، وتؤمن بأننا لو نقبنا عن حقيقة الشجاعة والاستهانة بالموت مثلًا؛ لوجدناها يأسًا من الحياة أو ضرورة لا مفر منها، مثلما أن الكَرَم في حقيقته أثرة تأخذ مظهر المباهاة، والمجد والخلود تكالب على الحياة وإيهام النفس بدوامها واستمرارها.
وهكذا الأمر في كافة القيم المثالية التي نسميها قيمًا خيرة، فهي ليست واقع الحياة الحقيقة، بل الواقع والأثرة ما ينبعث عنها من شرور وقسوة وحشية.
وتُمَثّل الواقعية الجانب الواقعي من المجتمع والحياة؛ فهي ترى أنّ الحياة كلها شر ووبال، وأنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش إذا كان ماكرًا ومخادعًا، لكن هناك في ذات الوقت لونًا آخر من الواقعية؛ كانت تعرفه الآداب الاشتراكية أيام أن كانت هناك اشتراكية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، والدول التابعة له، وثورة الشعوب هناك على أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا اللون من الواقعية يركز على ما في الحياة من أوضاع تدعو إلى التفاؤل، وتؤدي إلى نتائج إيجابية بدلًا من هذه النظرة المتشائمة السوداوية التي تسبق الواقعية الغربية.
ذلك أن الاشتراكيين -كما ذكر الدكتور محمد مندور في كتابه (الأدب ومذاهبه) - يؤكدون أنّ الأدب اختيار، وأنّ الأدباء الذين يختارون الشخصيات الشريرة المؤذية أو السلبية المتخاذلة، إنما ينمون عن ضعف وشيخوخة في أوقات من الحياة، ولو كانت رؤيتهم لتلك الحياة رؤية متفائلة؛ لما ركزوا على هذا الجانب الأسود منها، ذلك الجانب الذي من شأنه أن يثبط الهمم، ويدعو لليأس وينشر روح العزيمة والانهيار أمام عوائق الحياة، بخلاف ما لو اجتهدوا في إبراز الطاقات البشرية المدفونة القادرة على صنع الأعاجيب؛ فعندئذ تسود مشاعر التفاؤل بين أفراد الشعب، ويبذلون غاية جهدهم، ويستطيعون التغلب على عقبات الحياة ويحققون نتائج مذهلة.