كذلك مادمنا في موضوع التأثر والتأثير؛ فعلى الدارس المقارن أن يجتهد في تتبع المسار الذي اتخذه العمل، أو الأدب أو الأديب المؤثر حتى استطاع أن يؤثر في الطرف الآخر, وليس معنى هذا أننا إذا لم نستطع تتبع هذا المسار لم يبق إلا أن نجزم بأنه لم تكن هناك صلة تاريخية بين الطرفين، ومن ثَمّ نقول: إنه ليس ثمة تأثير وتأثر ذلك أن عدم استطاعة الباحث إثبات الصلة المذكورة شيء، والجزم بنفي وقوعها شيء آخر؛ فما أكثر ما تقع الجرائم وتحوم الظنون والشبهات حول أحد الأشخاص إلا أن البحث والتحري ليمكناننا من إثبات التهمة عليه؛ فلا يملك له القانون حينئذ شيئًا رغم أنه قد يكون هو فعلا مرتكب الجريمة.
والآن إلى بعض الشواهد على عملية التأثير والتأثر في بعض مجالات الأدب المقارن على اختلافها؛ فمثلًا هناك موضوعات تقليدية غاب أصلها الأدبي في غياهب الزمن؛ فلم نعد نعلم عن انتقالها من بلد إلى بلد شيئًا ذا بال، مثل (أسطورة خاتم سليمان) و (أسطورة طاقية الإخفاء) و (أسطورة الشحاذة الطيبة الجميلة التي تتزوج ملكًا) فكل واحدة من هذه الأساطير كانت موضوعة لكاتب أو أكثر من كاتب في الأدب العالمي، خلع عليها من فنه الكثير؛ فحملت خصائص إبداعه، وللموضوع مواقف عامة، ومواقف خاصة، تقوم على التفصيلات التي يبتدعها كل كاتب من عنده، وتعد تجديدًا للموضوع الذي يتناوله.
ويمكن أن تقوم المُقارنة الأدبية بين عدة كتاب تناولوا هذا الموقف أو ذاك، ومن الممكن أن يكون أحدهم قد أثر في الآخر بطريقة أو بأخرى، وذلك أمر مشروع لا ضرر فيه.