وفي وسع أمثال هذه الدراسات المقارنة إذا تناولت مثلًا موضوع الغيرة أو الانتقام أو التضحية في سبيل الواجب، أن تلقي ضوءًا قويًّا كاشفًا على عبقرية مختلف الكتاب وفنهم، كما تلقي نفس الضوء على تطور العواطف في جمهورها، وبالمثل فإن بعض الدراسات المقارنة في الأدب تتناول الصور المختلفة لمعالجة الأدباء لشيء من الأشياء، أو عادة من العادات، أو سلوك من السلوكيات، أو معتقد من المعتقدات أو قيمة من القيم، أو عرف من الأعراف خلال العصور المختلفة في مختلف الآداب مثل: الانتقام أو الأخذ بالثأر أو لعبة الشطرنج أو عادة التدخين أو تعاطي المخدرات، أو غير ذلك من النواحي الايجابية أو السلبية.
مثال ذلك مسرحية "فاوست" للشاعر الألماني "جوته" التي تتناول قضية عامة هي التردد بين العقل والقلب, ففي أول المسرحية نرى "فاوست" شقيًّا كل الشقاء بعقله ويهم بالانتحار، ثم يتولد فيه الأمل ويأخذ في نشدان السعادة، عندما يبدأ في التفكير في التقدم والمستقبل، ويظل على هذا طوال الجزء الأول من المسرحية، وينتهي هذا الجزء بنجاة "مارجريت" منه ومن روح الشر المسيطرة عليه، وتفضل البقاء في السجن والبعد عن حبيبها.
وفي الجزء الثاني من المسرحية يظل "فاوست" منغمسًا في تجارب الحياة المادية إلى أن يتعرف على "هيلين" رمز الجمال الخالص، فيهتدي عن طريقها إلى الخير والعفة والفضيلة.
وهذه القصة نفسها هي التي تمثل محور الموقف العام في مسرحية توفيق الحكيم (شهر زاد) فقضية العقل والقلب ذات أثر واضح فيها، بما يوضح ويبين لنا التأثر الأدبي من جانب الحكيم بالشاعر الألماني "جوته" ومسرحية "أوديب الملك" الذي كتبها الشاعر اليوناني "سوفوكليس" الذي عاش في الفترة ما بين أربع مائة وستة