إنّ الوَضع ليُشبه إلى حد كبير وضع المنهج العلمي التجريبي، حيثُ يبدأ الأمر بفرضية تحتاج إلى تمحيص وتثبت، وبعد التمحيص والتثبت يمكن للعالم أن يعلن صحة الفرضية أو خطأها، أو على الأقل حاجتها إلى مزيد من التحقيق والتدقيق، مع تقديم الحيثيات التي استند إليها في هذا الحكم أو ذاك أو ذلك.
على أن يكون معروفًا أن التشابه بين عملين أدبيين مثلًا في بعض السمات أو الشيات، لا يعني على سبيل الحتم أن بينهما تأثرًا وتأثيرًا أو على الأقل أن بينهما تأثرًا وتأثيرًا مباشرًا؛ فكثيرًا ما يقع الحافر على الحافر -كما يقول البلاغيون- دفعًا لتهمة السرقة عن بعض الشعراء، وهو ما يعني أن التشابه قد يكون ثمرة من ثمرات المصادفة، أو راجعًا إلى اتفاق الجو الأدبي العام في الأدبين الذين ينتمي إليهما العملان، أو يكون سببه تأثر أحدهما أو كليهما بمصدر ثالث، تصادف أن قراءه صاحب العملين جميعًا؛ فكان هذا التشابه الذي لا يعني في هذه الحالة أنه كانت هناك صلة مباشرة، أو تأثر وتأثير بينهما.
ثم إن صور التأثر متعددة ومتنوعة، فقد يكون محصورًا في بعض الألفاظ أو العبارات أو التراكيب أو الصور البيانية؛ فيكون مجال التأثر والتأثير أسلوبيًّا, وقد يكون هناك تأثر من ناحية الجنس الأدبي أو الاتجاه المذهبي، أو مضمون العمل أو موضوعه أو العاطفة السائدة أو الوزن الشعري أو بناء القصيدة أو المقال أو الرواية ... إلخ. وقد يكون التأثر من ناحيتين أو أكثر من هذه النواحي.
وبالمناسبة؛ فكثيرا ما يكون التأثر سلبيًّا بمعنى أن الأديب المتأثر قد يفهمه نظيره المؤثر فهمًا خاطئًا، أو يكون تأثره به عكسيًّا كأن يكون في الطرف الأول تشاؤم شديد، وتكون شخصية الثاني شخصية ناجحة مرحة مقبلة على الحياة، فيكون رد فعله هو الرغبة في إثبات أن في الدنيا موجبات كثيرة للابتهاج والسعادة مثلًا.