ومن هنا كان على الدارس المقارن أن لا يسلم ما يقوله الأديب دون تمحيص أو مراجعة، وإذا كان القانون الذي يقره هو نفسه أن الاعتراف سيد الأدلة، لا يصدق اعتراف المتهم مباشرة؛ بل يعمل بكل ما أوتيه من قوة وخبرة، ومهارة على التحقق من صدق ما أدلى به من اعتراف، وكثيرًا ما يعدل عن الأخذ بتلك الاعترافات، بعد أن يتضح له أنها ملفقة لسبب أو لآخر، كما نعرف جميعًا فما بالنا بالأدب المقارن! إنه لأحرى أن نكون فيه على يقظة وحذر، ومن ثم ينبغي أن يراجع المقارن الأمر بنفسه، كي يتأكد من صحته، أو يتبين له أن فيه ما يبعث على الريبة إن لم يكن التكذيب.

كذلك بمكنة الدارس المقارن أن يُدلي بدلوه مباشرة في هذا المجال، وذلك يتوقف على مدى اتساع قراءته، وقوة ذاكرته، وشدة يقظته لما يقرأ إذ قد يتذكر مثلًا بعد قراءته رواية من الروايات أنه اطلع من قبل على رواية أو قصيدة، أو مذكرات شخصية تشبهها؛ لكن عليه في تلك الحالة أيضًا أنْ لا يتعجل الحكم بالتأثير والتأثر، بل لا بد له من بذل جهده في التحقق مما خطر له، وذَلك من خلال إعادة قراءة العملين من جديد، مع تسجيل نقاط التشابه والاختلاف، كُلّما مضى في القراءة واكتشف شيئًا يتعلق بهذا الموضوع.

ولكن مهما تكن سعة اطلاع المقارن، ووعيه ويقظته، وقوة ذاكرته؛ فإن مدى هذا الاطلاع وتلك الذاكرة جد محدود, ومن ثم فلا مناص من الاستعانة بما كتبه الآخرون عن الصلة بين العمل الأدبي الذي يكون بصدده، وبين سواه من الأعمال السابقة عليه، مع وجوب الاجتهاد في التحقق من سلامة ما كتبه الآخرون، بذات الطريقة التي يتحقق بها مما يخطر له هو نفسه في هذا الباب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015