إن الرجل لبارع في استخدام المنهج الانطباعي في التعليق على النصوص الشعرية، إلا أنه فيما يبدو لا يوفق كثيرًا حين يخرج عن هذا المنهج، أو حين يلجأ إلى التنظير.

أما بالنسبة إلى كلام المتحمسين للشعر التفعيلي حول الوحدة العضوية ودعواه افتقار الشعر العمودي إليها؛ فينبغي أن لا ننسى أن كثيرًا من نماذج الشعر العربي القديم جدًّا تتمتع بتلك الوحدة؛ كقصائد "الخنساء" وقصائد "عمر بن أبي ربيعة" وقصائد "جميل" وكثير من قصائد "بشار" و"أبي نواس" و"أبي تمام" و"ابن الرومي" و"المعري" و"ابن زيدون" و"البهاء زهير" ومعظم الموشحات وكل أشعار مدرسة المهجر ومدرسة الديوان ومدرسة أبوللو تقريبًا على قدر ما يُمكن تحقق الوحدة العضوية في الشعر الغنائي، الذي أنكر الدكتور "مندور" بقوة أن يتحقق له ذلك اللون من الوحدة، ورددت عليه أنا مبينًا أن هناك شعرًا غنائي غير قليل، تتحقق له تلك الوحدة، التي ينبغي مع ذلك أن لا نكون متنقصين في تعريفها وتضييق مفهومها، وإلا فلا يُمكن تحققها في أي شعر غنائي تقريبًا.

وهناك أيضًا من أحدث ضجيجًا مصمًّا حول اللغة البسيطة التي يستعملها شعراء التفعيلة، والتي يجعلون منها إحدى مزايا ذلك الشعر، زاعمين أنها غائبة من الشعر العمودي تمامًا، وهذا ادعاء فاسد تكذبه الوقائع الصلبة، إذ إن شعر "الخنساء" مثلًا أو "ابن أبي ربيعة" أو "جميل" أو "البهاء زهير" وبهذه الأسماء ولو مجرد أمثلة أذكرها كيفما اتفق قد نظم بلغة لم يكن للمستمع أو القارئ وقتئذ فيها شيئًا يصعب فهمه، بل إننا الآن لنستطيع أن نقرأ هذه الأشعار، ونفهمها ونتذوقها إلى حد كبير دون الاستعانة بأي قاموس لغوي.

أما في العصر الحديث؛ فالأمر يحتاج إلى توضيح، وإلا فإن كان "المازني" أو "علي محمود طه" أو "الهمشري" مثلًا ينظمون أشعارهم بألفاظ حوشية غير مفهومة، أو لا تسوغ في السمع أو على الألسنة، إن كل شعر إنما ينظم بوجه عام باللغة التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015