يفهمها أبناء العصر، والشعر الجاهلي نفسه بعيدًا عن وصف "الناقة، والثور الوحشي" وما إليه مما يستلزم ألفاظًا لا نعرفها نحن الآن لأننا ليس لنا تلك الخبرة التي كانت لشعراء ذلك العصر بتلك الحيوانات؛ لهو شعر مفهوم لنا في كثير من نماذجه إلى حد غير قليل، فما بالنا بشعر العصور التالية للعصر الجاهلي؟.

وتبقى فكرة التجديد الموسيقي، وهي ليست بالأمر الجديد إذ رأينا القدماء يبتكرون ألوانًا جديدة للقافية كالمزوجات، والمثلثات، والمربعات، والمخمسات، والمصمدات. وكذلك الموشحات التي طبقت شهرتها الآفاق، ويمزجون في القصيدة الواحدة بين الوزن الكامل، ومجزوئه، ومشطوره، ومنهوكه، وتفنن الشعراء المحدثون بعد هذا تفننًا، إلا أنّ النغم الموسيقي ظل قويًّا معبرًا، ولم يفتر أو يمت حسبما انتهى الأمر إليه سريعًا في الشعر التفعيلي.

كما كان هناك دائمًا نظام مفهوم ومرئي لهذا النغم، ولم يكن الأمر سداح مداح كما هو في شعر التفعيلة.

وعلى كل حال رغم ظهور شعر التفعيلة، ظلت القصيدة العربية التقليدية الشكل موجودة بعد ما تجددت في معجمها ومعانيها وأخيلتها، وبقي لها شعراؤها وجمهورها، والعبرة كما نقول دائمًا بقدرة الشاعر على التعبير عن أفكاره ومواقفه ومشاعره وعواطفه، وبما تحويه القصيدة من الطاقات التعبيرية؛ مع التنبيه دائمًا إلى ما أخذناه عن القصيدة التفعيلية من فتور النغم، بل انعدامه في كثير من نماذجه المتأخرة، وشيوع الغموض فيها، وانتشال التجديف في حق المولى سبحانه، فضلًا عن اللجوء إلى الرموز الوثنية والصليبية إلى درجة لافتة للنظر، كانت وما تزال مسارًا يقصده الجمهور وكثير من النقاد الذين يعتزون بدينهم وتراثهم.

والسلام عليكم ورحمة الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015