الإيقاع والنغم مع المشاعر الذاتية، في وحدة موسيقية عضوية واحدة، وهو زعمٌ لا يعقل، وإلا كان معنى ذلك أن الشعراء العرب طوال ستة عشرَ قرنًا من الزمان على الأقل، لم يكونوا يستطيعون العثور على النغم الموسيقي المناسب للتعبير عن مشاعرهم الذاتية.

ترى ماذا كان يفعل "امرؤ القيس" أو "طرفة" أو "عنترة" أو "زهير" أو "الخنساء" أو "أبو ذؤيب الهذلي" أو "عمر بن أبي ربيعة" أو "جميل بثينة" أو "كثير عزة" أو "ابن قيس الرُّقيات" أو "بشار" أو "أبو نواس" أو "أبو العتاهية" أو "العباس الأحدب" أو "أبو تمام" أو "البحتري" أو "ابن الرومي" أو "ابن زيدون" أو "المعري" أو "الشريف الرضي" أو "ديك الجن" أو "البهاء زهير" إلى آخر من نعرف ومن لا نعرف من الشعراء العرب، سوى التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم ومواقفهم مستعينين في كل هذا بنظام والقوافي المتاحة لهم، والذي لا يعجب الآن الدكتور "نويهي".

والعجيب أنه في كتابه (الشعر الجاهلي) يقف مبهورًا أمام بعض النماذج الشعرية الجاهلية، مبرزًا ضمن ما أبرز البراعة النغمية الموسيقية التي يقوم عليها بناء النص الذي يحلله, بل لقد فعل ذبك إلى درجة مغالية لم أستطع أن أقرها عليه أحيانًا فيما كتبت عن ذلك الموضوع في الفصل الأول من كتابي (الورايا الرشوية) الذي تناولت فيها منهج الدكتور "النويهي" في دراسة الشعر الجاهلي.

كذلك نراه في كتابه (ثقافة الناقد الأدبي) يعبر عن إعجابه العظيم بقصيدة "ابن الرومي" في رثاء ابنه الأوسط، ويراها شيئًا فذًّا رغم أنها منظومة على نظام الموسيقى التقليدي، فما عدا إذًا مما بدا، ومن الواضح أن في حكمة الأخير على النظام العروضي والقافوي السابق تجنيًا وإسرافًا بعيدًا، وأن الأمر يحتاج إلى اعتدال النظرة، وهدوء المشاعر، بدلًا من المبالغات الشديدة والآراء المسبقة، الكفيلة بإفساده للأحكام النقدية هذا الإفساد الشنيع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015