لكن فات القائلين بهذا أنه لا يوجد شيء في الدنيا يخلو من القيود، فضلًا عن أن يكون هذا الشيء هو الفن، إن هذه القيود هي الحافذ الذي يستثير كوامن الموهبة، ما المذخور العبقري عند الفنانين الكبار إلى الظهور فتأتي بالأعاجيب، ولولا هذه القيود التي لا ينبغي مع ذلك أن تتحول من عامل يستنفر المواهب والعبقريات، إلى جدار مصمت صعب أو يستحيل اختراقه؛ لما استطعنا تمييز الإبداع الحقيقي عن الغثاء الفني.
أما ما قيل عن الراحة البَصرية؛ فإنْ صَحّ هذا الكلام وهو لا يصح، فبإمكان الشاعر أن يَطْبَع نص القصيدة دون تنسيق، وإن كُنّا نستغرب هذا التعبير العجيب، لكننا إنما نرد على قائليه بطريقتهم ليس إلا، أما الزعم أن التفعيلة بموسيقاها تساعد كثيرًا على تمكين ألفاظ الشعر من تعدي عالم الوعي، والوصول إلى العالم الذي يتجاوز حدود الوعي الذي تقف دونها الألفاظ المأثورة؛ فهو كلام غير منضبط وغير مفهوم، وإلا فإذا كانت من موسيقى التفعيلة تلك الخاصة، فلا ريب أنّ لموسيقى قافية الشعر ذو الشطرتين أقوى نغمة، ومن ثم أقدر على تأدية تلك الوظيفة المدعاة أيًّا كان المقصود منها.
كذلك فقول بعضهم: إنّ القَافِية في الشعر التفعيلي أصعب منها في الشعر القديم، هو مما لا يعقل؛ إذ يذكُر أنصارُ الشِّعر الجديد من بين الأسباب الني دعت إلى الخروج عن نظام الموسيقى الخالدية: صعوبة القيود التي تكبل الشعراء في هذا النظام؛ فكيفَ نُصَدِّق أنهم يعملون على الانعتاق من صعوبة، بغية الوقوع في صعوبة أصعب؟ هذا ما لا يمكن تصوره.
ويقول الدكتور "النويهي": إن الدافع الحقيقي إلى نظم شعر التفعيلة هو الرغبة في استخدام التجربة، مع الحالة النفسية والعاطفية للشاعر، وكذلك لكي يتآلف