وقد جد في الفترة الأخيرة عامل آخر فائق الأهمية ألا وهو المشباك "الإنترنت" حيث يتوفر الكتاب والمجلة، والصحيفة بلغات العالم المختلفة، في دقائق معدودات؛ وبدون تكلفة على الإطلاق في معظم الحالات وهكذا.
ولكن كيف يتسنى للدارس المقارن معرفة المصادر التي تأثر بها الأديب أو الأدب الذي يدرسه؟ إنها في الواقع مسألة اجتهاد قبل كل شيء، وكلما كان المقارن الأدبي واسع القراءة، عميق الإطلاع، واعيًا بما يقرأ، قوي الذاكرة، كان ذلك أعون له على الوصول إلى تلك المصادر، على أن يكون واضحًا منذ البداية أننا مهما نقبنا وسعينا في هذا السبيل؛ فلن نصل يومًا إلى معرفة كل المصادر التي أثرت في كل أديب أو أدب, إن هذا بكل يقين أمر مستحيل.
وغاية ما يمكننا أن نقوله هو أننا كلما أمطنا اللثام عن مصدر من تلك المصادر، كان ذلك مكسبًا عظيمًا، ولسوف تبقى الغالبية العظمى من مصادر التأثير مجهولة رغم ذلك.
ومن الممكن مثلًا أن يكتب الأديب عن الكتب التي قرأها أو الأدباء والمفكرين الذين تأثر بهم، بيد أن هذا لا يحدث دائمًا، وإن حدث فربما لا يذكر الأديب إلا بعض من تأثر بهم من أعمال أو أشخاص، ويضرب صفحًا عن الباقي لسبب أو لآخر ليس أقلها النسيان، أو تصوره أنّ الأمر ليس بتلك الأهمية التي يتصورها الآخرون، أو خشية من اتهامه بعدم الأصالة مثلًا.
كذلك لا ينبغي أن يؤخذ كلامه في كل الأحوال على محمل التصديق حتمًا, ذلك أن الأديب قد ينسى أو يسهو أو يكذب أو يبالغ، أليس هو بشر يجوز عليه ما يجوز على سواه؟.