لكن من الواضح أنّ الحاتمي لم يكن يقصد أن يكون موضوع القصيدة شيئًا واحدًا، إذ طالبَ الشاعرَ بأن يكون نسيبه في أول القصيدة متصلًا اتصالًا وثيقًا بمديحه أو هجائه في آخرها، بما يعني انه لا يجد شيئًا في تعدد أغراضها، وعلى هذا فكل ما كان في ذهنه ألا أن تتنافر تلك الأغراض فيما بينها، بل تكون متلاحمة متسقة، وهذا مطلب نادى به النقاد العرب القدماء كلهم تقريبًا إلا أن "الحاتمي" هو الوحيد -فيما نعلم- الذي شبه القصيدة بالجسم الحي.

أما "العقاد" فكان يرفض تعدد الأغراض في القصيدة الواحدة، وأخذ على شوقي ابتداءه بعض أشعاره السياسية بالغزل على الطريقة القديمة.

ويرى "محمد مندور" في الفصل الذي خصصه للعقاد في كتابه (النقد والنقاد المعاصرون) أنّ هذه الوحدة العضوية التي نادى بها العقاد، لا تكادُ تُتَصَوّر إلا في القصائد القصصية أو الدرامية، أمّا في ما عدا هذا من شعر غنائي يقوم على تداعي المشاعر والخواطر، في غير نسق محدد فلا؛ وأن في دعوة الأستاذ "العقاد" تعسفًا غير مقبول.

ثُم مضى فذكر أنه طبق ذلك المعيار على قصيدة "البشير" لـ"العقاد" هي هدية الكروان؛ فكانت النتيجة إن أمكن تقديم بعض الأبيات وتأخير بعضها الآخر، دون أن يلحق بالقصيدة أي أذى, وكلام الدكتور "مندور" بوجه عام صحيح إلى حد كبير، ولكنّ هذا لا يمنع من وجود قصائد غير قصصية ولا درامية، تتحققُ فيها الوحدة العضوية، كقصيدة "سلع الدكاكين في يوم البطالة" و"رثاء طفلة" لـ"العقاد" وقصيدة "العودة" لـ"إبراهيم ناجي" وقصيدة "لست قلبي" و"لا تكذبي" لـ"كامل الشناوي" وقصيدة "أيظن" لـ"نزار قباني" مثلًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015