المناداة بما يسمى بالوحدة العضوية داخل القصيدة

ثُم جد في الشعر العربي الحديث المناداة الملحة بالوحدة العضوية؛ وهي تقوم على تشبيه القصيدة بالجسم الحي، من حيث إن له أعضاء متصلة، ولكل عضو من أعضائه الموضع الذي لا يعدوه من الجسم؛ فلا يمكن من ثم نقله إلى موضع آخر؛ كما لا يمكن الاستغناء عنه, وهو ما لا بد أن يتحقق نظيره في القصيدة، فلا يتقدم بيت عن موضعه أو يتأخر، مثلما لا يمكن حذف شيء منها، وإلا فسد أمرها كما يفسد أمر الجسم إذا خلع منه عضو، ونقل إلى غيره مكانه الذي كان فيه لو بتر منه أصلًا.

وممن نادى بهذه الوحدة في العصر الحديث: المرحوم "عباس محمود العقاد" الذي أخذ على شوقي فيما أخذه عليه في كتاب (الديوان في الأدب والنقد) أن قصائده تعاني من التفكك أيما معاناة.

إلا أن "الحاتمي" في القرن الرابع الهجري قد قال شيئًا شبيهًا بهذا وهذا نص كلامه حسبما أورده كل من "ابن رشيق" في كتابه (العمدة في صناعة الشعر) والحصري القيرواني في (زهر الآداب وثمر الألباب) قال الحاتمي: "من حكم النسيب الذي يفتتح به الشاعر كلامه أن يكون ممزوجًا بما بعده من مدح أو ذم، متصلًا به غير منفصل عنه؛ فإن القصيدة مَثَلها مثل خلق الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض؛ فمتى انفصل واحد عن الآخر وبينه في صحة التركيب؛ غادر بالجسم عاهة تتخول محاسنه، وتعفي محاسن جماله، ووجدت حذاق الشعراء وأرباب الصناعة من المحدثين، يحترسون من مثل هذه الحال احتراسًا يحميهم من شوائب النقصان، ويقف بهم على محجة الإحسان".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015