الابتداءات, وإن كان افتتاح القصيدة بالوقوف على الطلل أشهر من غيره من الافتتاحات.

وحتى إذا وقف الشاعر على الأطلال؛ فإن كثير منهم لا يعقبون ذلك بالرحلة لا للممدوح ولا لأي شخص آخر، بل كثيرًا ما لا يكون هناك ممدوح البتة، كما هو الوضع في "معلقة: عنترة" و"الملك الضليل" مثلًا, كذلك فكثير من هذا الشعر لا يزيد عن أن يكون تصويرًا لتجربة ذاتية حقيقية أو متوهمة لا صلة بينها بتاتًا وبين الأغراض الشعرية التقليدية، ولا البناء الفني الذي تحدث عنه "ابن قتيبة" بأي حال.

وواضح إذًا أنّ ما قاله "ابن قتيبة" لا يقتصر على شعر المديح، بل يقع في شعر المديح وفي غيره، وحتى في شعر المديح فهو لا يقع عليه كله بل على بعضه فقط, أي: أن ما يحسبه كثير من الباحثين نظامًا صارمًا يتبعه الجاهليون والقدماء عمومًا في بناء القصيدة؛ لم يكن في الحقيقة كذلك، بل كان يراعى في بعض قصائد المديح لا كلها، وإن لم يقتصر على ذلك النوع من القصائد، بل يشركها في ذلك كثير من الأشعار غير المدحية أيضًا.

وبالمثل إذا كانت هناك قصائد متعدد الأغراض؛ فكذلك قامت إلى جانبها قصائد لا تشتمل إلا على موضوع واحد، مقدارها لا يسعه الإحصاء كثرة كقصائد "عمر ابن أبي ربيعة" مثلًا وأشعار العذريين وشعر "أبي العتاهية الزهدي" وهو معظم شعره وشعر "العباس بن الأحنف" وغير قليل من شعر "بشار" كـ"رائيته المفحشة" مثلًا و"بائية: أبي تمام" في فتح عمورية، وكثير من شعر "المتنبي" و"أبي العلاء المعري" و"ابن الرومي" وكل شعر "ديك الجن" تقريبًا وكل الشعر الصوفي تقريبًا .. إلخ. وبهذا يتبين لنا زيف مقولة أخرى منتشرة بين مؤرخي الأدب العربي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015