وقد قالت طائفة مؤرخي الأدب العربي ونقاده، بناء على ذلك النص: إن هذه هي بنية القصيدة العربية، التي لم تعرف غيرها طوال عصورها منذ الجاهلية إلى العصر الحديث.
وأول ما ينبغي التنبيه إليه: هو أن الملاحظة السابقة ليست من بنيات عقل "ابن قتيبة" على عكس ما هو شائع؛ إذ هو مجرد حاك لها، كما جاء في بداية كلامه، وان كان يفهم من نهاية النص أنّ الرأي الذي يقول بأنه لا يحق للمتأخر من الشعراء، أن يخرج على ما قرره السابقين منهم هو رأيه هو؛ فإن كان الأمر كذلك فمعناه أنه قد وقع دون أن يدري في شيء من التناقض.
فقد قال في مقدمة كتابه ذاك في سياق الحديث عن الشعراء الذين ترجم لهم فيه، والأساس الذي استند إليه في الحكم على مرتبة كل منهم قال: "ولم أسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختار له سبيل من قلد، أو استحسن باستحسان غيره, ولا نظرت إلى المتقد بمنهم بعين الجلالة بتقدمه، وإلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره؛ بل نظرت بعين العدل على الفريقين، وأعطيت كل حظه، ووفرت عليه حقه؛ فإني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله ويضعه في متخيره، ويرذل الشعر الرصين، ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه، أو أنه رأى قائله.
ولم يقصر الله العلم ولا الشعر والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خص به قومًا دون قوم، بل جعل ذلك مشتركًا مقسومًا بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثًا في عصره، وكُلّ شريف خارجية في أوله؛ فقد كان "جرير" و"الفرزدق" و"الأخطل" وأمثالهم يعدون محدثين، وكان "أبو عمرو بن العلاء" يقول: لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت بروايته, ثم صار هؤلاء قدماء عندنا لبعد العهد عنهم.