وقعقعات، وليس من المعقول أن يهمس الشاعر في مثل ذلك الأوان، وإلّا كان ذلك منه دربًا من الخبلِ والعجز عن تقدير الظروف، وما تتطلبه تلك الظروف؛ فضلًا عن أن صور الشاعر صور مفترعة مدهشة.

وبعض هذه النصوص فخر، وإن لم يكن فخرًا مقعقعًا؛ إذ هو فخر في ميدان الغرام لا في ميدان القتال، والفخرُ على كل حال لا يناسبه الهمس والنجوى، وهذا ملحوظ في أبيات "البهاء زهير" الرشيقة الأنيقة الرائقة الشائقة، التي يتغنى فيها بزعامته للمحبين. ومهما قلت فيها من ثناء وإشادة؛ فهي تستحقه وأكثر.

أما نصّا "البحتري" و"ابن الرومي" عن الربيع؛ فبهجة عارمة بمقدم فصل الحب والنجوى، وما يبثه في الوجود المستكن الهاجع من يقظة، ويسربله به من حيوية وحسن وتوثب.

وهناك أبيات "الحمى للمتنبي" وهي أبيات أثيانة منكسرة، وإن خالطت ذلك نَغمة من التهكم المتشائم، والاعتزاز المكتوم بالنفس والتعجب من مفارقات الوجود ... إلخ.

والواقعُ أنّ أصْحَاب الدّعوى الإنشادية؛ إنما يهدفون بدعواهم إلى الغض من عبقرية الشعر العربي، تمهيدًا للقفز عليه وطعنه في مقتل، ولقد فعلوها وإن كان الشعر العربي الكريم الأصيل لم يمت ولن يموت، رغم كل الطعنات والبثور والتقيحات، التي أصابت جسده ووجهه وشوهت محياه الجميل، وأوصلته في شعر الطاعنين إلى طريق مسدود، بعد أن كان يكثر حيوية وعرامًا.

والحق أنّ اتهام الشعر العربي بأنه كله شعر محافل لا يعرف إلا النغمة العالية، هو اتهام باطل كله تدليس؛ فإنّ النّغمة العالية ليست سمة لشعرنا القديم بالإطلاق، بل لبَعض نصوصه ليس إلّا, إلا أن القوم ذوي غرض، والغرضُ مرضٌ كما يقولون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015